أمّا أولاً : فلأن الشيخ قسّم القائلين بالشهادة الثالثة إلى قسمين ، والقسم الثاني ينافي الملازمة ؛ فمجرّد الزيادة لا تعني الوضع كما لا تعني التفو يض واستحقاق اللعن.
وأمّا ثانيا : فلا يتّجـه القول بأنّ تشدّد القميّين يستدعي الحكم بالوضع والتفو يض واستحقاق اللعن مع احتمال التقيّة.
وبذلك فالخدش والضعف ليس في الإسناد ، بل لرواية المفوّضة الساقطة تماما وعملهم بذلك ، وإنّك قد عرفت ـ وستعرف أكثر من ذلك بعد قليل ـ بأنّ الشهادة بالولاية في الأذان بعنوانها الذكر المحبوب ولمطلق القربة العامّ لم تكن من وضع المفوّضة ، بل كانت عند جميع المذاهب الشيعية ، وهي مأخوذة من الأدلة العامة ، وقد عمل بها ـ بالنظر لذلك بعض الخاصة ، وقال الشيخ الطوسي بعدم اثم فاعلها ـ وإن كانوا قد تركوها في بعض العصور جريا مع ظروف عايشوها.
الثانية عشر : إنّ علماء بغداد وغيرهم اتّهموا الشـيخ الصدوق ومشايخه من أهل قمّ بالتقصير في أمر الأئمّة ، وأنّهم لا يدركون مكانتهم عليهمالسلام كما هي ، ولذلك كتب الشيخ المفيد كتابا في تصحيح عقائد الصدوق كما قيل.
ونحن لا نوافق البغداديين فيما اتّهـموا به أهل قمّ بهذه البساطة ، لأنّ في « الفقيه » وغيره من كتب الصدوق وسائر كتب القميّين ما يدلّ على ارتفاع مستواهم المعرفي ورقيّ مرتبتهم العقائدية في المعصومين سلام اللّه عليهم ، وكُلُّ ما قالوه كان خوفا من دخول روايات المفوّضة والغلاة ضمن أصولنا الحديثية.
فالصدوق رحمهالله هو صدوق هذه الأمّة وثقة وعدل ، ويجب الأخذ بكلامه في مواطن الأخذ واعتباره في مواطن الاعتبار ، لكنّه فيما عدا ذلك فهو قدسسره ليس بمعصوم ، وما يقوله لا يلزم الفقهاء من أهل الفتوى عبر الأزمان ، نعم هو محدث وفقيه وأمين على ودائع بيت النبوة ، وناشر لعلمهم ، وليس في كلامه ما يلزم