ومن جهة اُخرى : من المعـلوم درائيا عند جميع المسلمين ـ وخصوصا عند العامّة ـ أنّ الجرح لا قيمة له إذا عارض التعديل إلاّ إذا كان جرحا مفسّرا ، وذلك ببيان ملابسات الخبر.
وطبق هذه القاعدة الدرائية نقول : إنّ الشيخ الصدوق اتّهم رواة الشهادة الثالثة بالتفو يض ، وهو جرح مجمل غير مفسّر ، لتعدد معاني التفويض ـ عنده ـ ولعدم ثبوت كون هذا الفعل هو عمل المفوضة الغلاة. وبما أنّه غير مفسّر فلنا ترك ما قاله شيخنا الصدوق رحمهالله ، لأ نّه مبنيّ على اجتهاد تفرّد به وحده وهو مجمل غير مفسّر ، ولأنّ شهادته رحمهالله لا تكون بالنسبة لنا عن حسٍّ في مثل هذه الموارد ، لأ نّنا لا نعلم كيفيّة وصوله إلى تلك القناعة ، وهل قالها لِما رآه وعرفه ، أم اتّباعا لمشايخه المحدّثين وعلى رأسهم ابن الوليد؟ فلو كان الثاني فقد قال بهذا القول بدون فحص ودليل بل تقليدا لشيخه الثقة ، والذي صرّح مرارا بأ نّه لا يتعدّى كلامهم.
وبذلك فتكون شهادته حدسية لا حسية ، فلا تكون حجّة علينا ، وخصوصا مع تشدّد ابن الوليد وباقي مشايخه ، وكذلك إذا تأكّد لدينا أنّه مقلّد لمشايخه في الصحيح والضعيف ، وهذا ما رأيناه في كثير من الأمور ، منها ما مر عليك في « منهج القمّيين والبغداديين » من اتّباعه لابن الوليد في القول بأنّ محمد بن موسى الهمداني هو الذي وضع أصل زيد الزرّاد وزيد النرسي ، فقد يكون الشيخ الصدوق هنا قد اعتمد على مقولة هؤلاء المشايخ واتّهم القائلين بالشهادة بالولاية بالوضع.
أمّا لو قلنا بأ نّه رحمهالله عنى القائلين بالجزئية ـ الواضعين حديثا في ذلك ـ فكلامه صحيح.
إن الشيخ الصـدوق اتُّهم بالتقصير لقوله : بأنّ من لم يقل بسهو النبي فهو من الغلاة ، أو قوله بأنّ من قال بأنّ للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الزيادة في العبادات فهو من الغلاة ، في حين لم نر أحدا من علماء الشيعة يوافقه في كلامه ، وقد اعترضوا على اعتقاده.