الأخبار الموضوعة التي عناها الصدوق ؛ إن سُلِّمَ أنّها من وضعهم ـ كالعمومات الدالة على محبوبيتها الذاتية العامة ، ولا يمكننا ترك عمل مشروعٍ لمجرّد عمل المفوضة أو العامة به ـ أو وضعها أخبارا فيه ـ وبذلك يكون المعمول به هو أمر شرعي استُقي من النصّ ، والمفوّضة والعامّة ليسوا إلا عاملين به.
ولا يدفعنا هذا الاحتمال لتوهّم اعتماد أخبار المفوّضة لعنهم اللّه في الشهادة الثالثة ؛ إذ لا يسوغ شرعا الاعتماد عليهم في شيء ، كلُّ ما في الأمر هو أنّ الشيخ الطوسي قدسسره وصف تلك الأخبار بالشذوذ ، وليس الوضع كما جزم الصدوق قدسسره بذلك ، ومعنى الشاذ ان للخبر قابلية ان يكون صحيحا ، وهذا يفتح بابا شرعيا لاحتمال أنّ يكون بعض ما عند المفوّضة ليس من وضعهم بل مستقىً عن غيرهم.
وقد أثبتنا سابقا بأنّ الشـهادة بالولاية بمعناها الكنائيّ المطويّ في فصل : « حي على خير العمل » كانت سيرة لبعض الشيعة على عهد رسول اللّه ثم من بعده ، حتى وصل الأمر إلى آل بويه الذين كانوا يقولون بها ـ كناية أو تصريحا في بعض الأحيان ـ ولا يمنعون من الجهر بها في بغداد ، والريّ ، وشمال العراق (١) ، فنسأل شيخنا الصدوق : هل أنّ آل بو يه ـ الذين يعرفهم جيدا ـ هم من المفوّضة؟
الجواب قطعا يأتي بالنفي ، وهو يقوّي ما احتملناه من صدور النص عن الصدوق إمّا تقية بالمعنى الذي قاله الشيخ يوسف البحراني ، وإمّا أن يكون مقصوده المفوّضة الواضعين لتلك الأخبار فقط ؛ لأنّ المشهور عند فقهاء الإمامية في حجيّة الخبر هو حجيّة المضمون وموافقته للكتاب والسنة ، وهي عندهم مقدّمة على صحّة الصدور ، ويكتفون في الموافقة بالموافقة الإجمالية للكتاب
__________________
(١) انظر عن ذلك في كتاب (آل بويه واوضاع زمان ايشان) باللغة الفارسية لعلي اصغر فقيهي : ٤٥٨.