استحسن فقد شرّع » (١).
والتاريخ أنبأنا أنّ الاستحسان أبدعه عمر بن الخطاب ؛ وإنّما صار الاستحسان أحد مصادر التشريع الإسلامي عند بعض العامة اتباعا لعمر وانقيادا لما فعل ـ وان استندوا عليه بآيات وروايات ـ في حين ان تلك الآيات والروايات لا تصحح ما يقولون به ، وعلى سبيل المثال فإنّ نافلة ليالي شهر رمضان قد صلاّها رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم والصحابة فُرادى ، لكنّ عمر استحسن أن تُصلّى جماعة واستقبح أن تكون فرادى ، والأخبارُ الصحيحة في جامع البخاري وغيره جزمت بأنّ النبيّ خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا صلىاللهعليهوآلهوسلم نهاهم عن ذلك (٢) ، لكن لمّا وصلت الخلافة إلى عمر أصرّ على الجماعة مستحسنا إيّاها حتى قال : نِعْمَ البدعة هذه (٣) ؛ فعمر قد استحسن ما قبّحه النبي ، وقبّح ما جاء عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وفي الحقيقة فهذه المرتبة أقبح مراتب البدعية في الدين ؛ لوجود نهي نبوي في ذلك. بل حتى مع عدم وجود مثل هذا النهي ، فالشريعة لا تجيز لنا الاستحسان ولا ما يسمّى بالمصالح المرسلة والرأي بنحو عامّ ، لوجود نهيٍّ فوقانيّ قرآني يمنعنا من العمل بالظن لأ نّه لا يغني من الحق شيئا.
وفيما نحن فيه ، فقد يقال بأنّ إدخال الشهادة الثالثة في الأذان هو تشريع قام على أساس الاستحسان أو المصالح المرسلة أو الرأي ... ، ممّا هو باطل بأصل الشرع ، بل إنّ بطلانه من ضروريات المعرفة الإسلامية المستقاة عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل البيت عليهمالسلام.
__________________
(١) المغني ٦ : ١٥١ ، التقرير والتحبير ٣ : ٢٩٦ ، أدب الطلب : ٢١١.
(٢) صحيح البخاري ١ : ٣١٣ / ح ٨٨٢ ، ١ : ٣٨٠ / ح ١٠٧٧ ، ٢ : ٧٠٨ / ح ١٩٠٨ ، صحيح مسلم ١ : ٥٢٤ / ح ٧٦١ ، مسند أحمد ٦ : ١٦٩ / ح ٢٥٤٠١ ، ٦ : ١٧٧ / ح ٢٥٤٨٥.
(٣) صحيح البخاري ٢ : ٧٠٧ / ح ١٩٠٦ ، صحيح بن خزيمة ٢ : ١٥٥ / ح ١١٠٠ ، الجمع بين الصحيحين ١ : ١٣١ / ح ٥٧ ، من افراد البخاري.