عند الطرفين ، وإنّها نشأت من المتطرّفين لا المعتدلين والمتفهّمين ، وكذا الأمر بالنسبة إلى المقامات ، فقد يُرمَى بعضُ العارفين بالتفويض أو الغلو لعدم تحمّل الآخرين سماع تلك المقامات ، وقد تستغلّ تلك المقامات وتُعطَى للاخرين زورا وبهتانا ، كل هذه الأمور جعلت من الغلو والمعرفة سلاحا ذا حدَّين ، وخلاصة كلامنا هو : إنّ فكرة الغلو لا تختص بها الشيعة ، فهناك فرق ومذاهب فيها اتّجاهات مغالية كذلك.
فقد روى ابن الجوزي في مناقب أحمد ، قال : حدّثني أبو بكر بن مكارم ابن أبي يعلى الحربي ـ وكان شيخا صالحا ـ قال : قد جاء في بعض السنين مطر كثيرا جدّا قبل دخول رمضان بأ يّام ، فنمت ليلة في رمضان ، فرأيت في منامي كأ نّي جئت على عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره ، فرأيت قبره قد التصق بالأرض مقدار ساف ـ أي صف من الطين أو الَّلبِن ـ أو سافين ، فقلت : إنّما تمّم هذا على قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث ، فسمعته من القبر وهو يقول : لا بل هذا من هيبة الحقّ عزّوجلّ قد زارني ، فسألته عن سرّ زيارته إيّاي في كلّ عام ، فقال عزّ وجلّ : يا أحمد لأ نّك نصرت كلامي فهو يُنشَر ويُتلى في المحاريب.
فأقبلت على لحده اُقبّله ، ثمّ قلت : يا سيّدي ما السرّ في أنّه لا يُقَبَّل قبرٌ إلاّ قبرك؟
فقال لي : يا بُنيّ ليس هذا كرامة لي ولكن هذا كرامة لرسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّ معي شعرات من شعره صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ألا ومَن يحبّني يزورني في شهر رمضان ، قال ذلك مرّتين (١).
وقال ابن الجوزي في ( الياقوت في الوعظ ) : إنّ اللّه خصّ أبا حنيفة بالشريعة والكرامة ، ومن كرامته أنّ الخضر عليهالسلام كان يجيء إليه كل يوم وقت الصبح ، ويتعلّم منه أحكام الشريعة إلى خمس سنين ، فلمّا توفي أبو حنيفة ، دعا الخضر عليهالسلام ربّه
__________________
(١) مناقب أحمد : ٤٥٤.