فقال : يا رب إن كان لي عندك منزلة فَأْذَن لأبي حنيفة حتّى يعلّمني من القبر على عادته ، حتّى أعلّم الناس شريعة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم على الكمال ليحصل لي الطريق ، فأجابه ربّه إلى ذلك ، وتمّت للخضر صلىاللهعليهوآلهوسلم دراسته على أبي حنيفة وهو في قبره في مدّة خمسة وعشرين سنة (١).
وقد حدّث المقدسي في ( أحسن التقاسيم ) دخوله إلى أصفهان بقوله : وفيهم بَلَهٌ وغلوٌّ في معاوية ، ووصف لي رجل بالزهد والتعبّد ، فقصدته وتركت القافلة خلفي ، فبتّ عنده تلك الليلة ، وجعلت أسائله إلى أن قلت : ما قولك في الصاحب؟ فجعل يلعنه.
قلت : ولِمَ؟
قال : إنّه أتى بمذهب لا نعرفه.
قلت : وما هو؟
قال : إنّه يقول أنّ معاوية لم يكن مرسلاً.
قلت : وما تقول أنت؟
قال : أقول كما قال اللّه عزّوجلّ : ( لا نُفرِّقُ بينَ أحدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) ، أبو بكر كان مرسلاً ، وعمر كان مرسلاً ، حتّى ذكر الأربعة ، ثمّ قال : ومعاوية كان مرسلاً.
قلت : لا تفعل ، أمّا الأربعة فكانوا خلفاء ، ومعاو ية كان مَلِكا ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الخلافة بعدي إلى ثلاثين ثمّ تكون مُلكا » فجعل يُشنّع عليَّ ، وأصبح يقول للناس : هذا رجل رافضيّ.
قال المقدسي : فلو لم أهرب وأدركت القافلة لبطشوا بي (٢).
وعليه إنّ القول باختصاص الشيعة بالغلوّ دون الآخرين فيه مجازفة وبهتان
__________________
(١) الياقوت في الوعظ ، لأبي فرج علي بن الجوزي : ٤٨. وهذا الكلام مصداق لقول القائل : حدّث العاقل بما لا يليق فان صدقك فلا عقل له.
(٢) أحسن التقاسيم : ٣٣٩ ، طبعة القاهرة ١٤١١ ه ـ ١٩٩١ م ، «مكتبة مدبولي».