التشريع حكما يكون موجبا لكونه سبيلا وسلطانا للكافرين على المؤمنين. وتشريع جواز بيع عبد المسلم من الكافر ونفوذه وصحّته ، موجب لسلطنة الكافر على المسلم ، منفيّ بهذه الآية ، وكذلك إجازته وإعارته له. ونذكر إن شاء الله تعالى تطبيق هذه القاعدة على مواردها مفصلا.
ولا شكّ في أنّ ظاهر الآية الشريفة لو كان في مقام التشريع هو الذي ذكرنا ، ويكون المراد من الجعل المنفي فيها هو الجعل التشريعي لا التكويني ، فتكون قاعدة حاكمة على الأدلّة المتكلّفة لبيان الأحكام الواقعيّة.
مثلا الأدلّة الأوّليّة مفادها ولاية كلّ أب أو جدّ من طرف الأب على أولاده الصغار ، أبناء كانوا أو بناتا ، ومفاد هذه الآية ـ بناء على المعنى المذكور ـ نفي الولاية إذا كان الأب أو الجدّ من طرف الأب كافرا ، والابن أو البنت كانا مسلمين ، وهكذا في سائر موارد تطبيق الآية ، فتكون هذه قاعدة حاكمة بالحكومة الواقعيّة على الأدلّة الأوّليّة ، مساقها في ذلك مساق حديث « لا ضرر ولا ضرار في الإسلام » (١) وقوله تعالى : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٢).
هذا ، ولكن ربما يقال ـ بقرينة قوله تعالى قبله ( فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) ـ إنّ المراد من السبيل هي الحجّة في يوم القيامة ، أي لا حجّة للكافرين على المؤمنين يوم القيامة ، بل تكون الحجّة للمؤمنين عليهم في ذلك اليوم.
ويؤيّد هذا المعنى ما رواه الطبري في تفسيره ، عن ابن ركيع ، بإسناده عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، قال رجل : يا أمير المؤمنين ، أرأيت قول الله ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) وهم يقاتلوننا فيظهرون ويقتلون؟ قال له عليّ عليهالسلام : « ادنه ادنه » ثمَّ قال عليهالسلام : فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ( وَلَنْ يَجْعَلَ
__________________
(١) « الفقيه » ج ٤ ، ص ٣٣٤ ، باب ميراث أهل الملل ، ح ٥٧١٨ ، « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٧٦ ، أبواب موانع الإرث ، باب ١ ، ح ١٠.
(٢) الحجّ (٢٢) : ٧٨.