إذا عرفت هذا فنقول : لا شكّ في أنّ في مورد هاتين القاعدتين يكون لهما نحو كشف وطريقيّة ، لوجود العمل التام الصحيح بعد الفراغ في مورد قاعدة الفراغ ، ووجود الجزء المشكوك بعد تجاوز محلّه في قاعدة التجاوز ؛ وذلك لأنّ الإنسان إذا أراد إيجاد عمل مركّب في الخارج فإرادته تتعلّق بإيجاد تمام أجزائه وشرائطه ، كلّ في محلّه إن كان له محلّ ، وترك جميع موانعه ، وإلاّ ليس في مقام الامتثال ، وهو خلاف الفرض.
فالظاهر أنّ العمل يصدر منه طبق تلك الإرادة ، وكما أنّه بعيد غاية البعد أن يريد إيجاد شيء ويوجد شيئا مباينا لما أراد ، كذلك لا يخلو من البعد أن يريد إيجاد مجموع الأجزاء والشرائط وترك جميع الموانع ، ثمَّ يأتي ببعضها بالنسبة إلى الأجزاء والشرائط ، ويترك بعضها بالنسبة إلى الموانع ولو غفلة ونسيانا ؛ لأنّ الغفلة والنسيان حالتان قد تعرض على الإنسان في بعض الأحيان بالنسبة إلى بعض الأعمال ، فهاتان الحالتان ليستا دائميّتين ولا غالبيّتين ، ولذلك بناء العقلاء على أصالة عدم الغفلة والنسيان عند الشكّ فيهما ، وذلك من جهة أنّ الغفلة والنسيان خروج عن مقتضى الطبع الأوّلي وإن قيل بأنّ السهو والنسيان كالطبيعة الثانية للإنسان.
وحاصل الكلام : أنّ مقتضى طبع الإرادة المتعلّقة بالمركّب إيجاده على طبقها ، ولا فرق في ذلك بين القول بأنّ الإرادة الكليّة المتعلّقة بالمركّب هي المحرّكة للعضلات نحو إيجاد الأجزاء ـ كما هو الحقّ ـ وبين القول بتولّد إرادات جزئيّة من تلك الإرادة الكليّة وتعلّق كلّ واحدة منها بجزء من الأجزاء ، أو شرط من الشروط ، أو ترك مانع من الموانع.
والسرّ في عدم الفرق أنّ وجود الأجزاء والشرائط وعدم الموانع بالآخرة مسبّب عن تلك الإرادة الكلّية ، غاية الأمر إمّا بلا واسطة أو مع الواسطة.
إذا تبيّن ذلك وعرفت أنّ الجهة الأولى من الجهتين اللتين تتوقّف الأمارة عليهما موجود في مورد القاعدتين إلاّ وهو الكشف الناقص ، فلننظر في الجهة الثانية وهو أن