من أنّ إطلاق الشيء على الأجزاء يكون بالعناية والادّعاء ، وإلاّ لا يكون الجزء شيئا في عرض شيئيّة الكلّ. وحيث أنّ هذا الادّعاء والتنزيل لم يتحقّق من قبل الشارع إلاّ في الأجزاء المستقلّة بالتبويب ، فلا يطلق الشيء والغير على ما عداها من أجزاء الأجزاء ومقدّماتها.
إن قلت : إنّ التنزيل قد وقع في الأجزاء المذكورة في الروايات فقط ، أعني الروايتين المتقدّمتين من زرارة وإسماعيل بن جابر ، وليس فيهما عين ولا أثر من السورة والتشهّد.
قلنا : إنّ ذكر تلك الأجزاء من باب المثال ، وإلاّ فالمقصود بالتنزيل هو مطلق الإجزاء المستقلّة بالتبويب. هذا ما أفاده شيخنا الأستاذ قدسسره (١).
ولكن قد عرفت عدم تماميّة هذا الكلام وأنّ الشيء يطلق على الأجزاء والكلّ في عرض واحد حقيقة بدون عناية وادّعاء وتنزيل ، بل يستعمل في الجامع بينهما ، ولا تلاحظ في حال الاستعمال خصوصيّة كلّ واحد منهما حتّى تقول بعدم إمكان الجمع بين اللحاظين في استعمال واحد وأمثال ذلك ممّا تقدّم ذكره من المحاذير.
هذا ، مضافا إلى أنّ الكلام في عموم الغير لا الشيء ، ولا شكّ في أنّه بعد ما شمل الشيء المتجاوز عنه الأجزاء المستقلّة بعناية كما أفاد ، أو بدون الاحتياج إلى عناية وتنزيل كما ادّعينا يشمل لفظ الغير من غير ذلك الشيء الحقيقي كما نقول ، أو الادّعائي كما يقول هو قدسسره.
وفي شمول لفظ « الغير » للأجزاء المستقلّة كما يقول هو قدسسره ، أو لجميع ما هو غير ذلك الجزء المتجاوز عنه كما نقول ، لا يحتاج إلى إعمال عناية وادّعاء وتنزيل أصلا.
فظهر من جميع ما ذكرنا أنّ المراد من « الغير » المعتبر في جريان قاعدة التجاوز الدخول فيه ، سواء أكان اعتباره من باب تحقّق التجاوز والمضي به ، أو كان من جهة
__________________
(١) « فوائد الأصول » ج ٤ ، ص ٦٣٥.