وأمّا الصورة الثالثة ، أي فيما إذا قصد الإعانة ولم يقع الإثم ، فالظاهر أيضا عدم صدق الإعانة على الإثم ؛ لعدم إثم في البين. فلو أعطي العصا بقصد أن يضرب ولكنّه لم يضرب ، أو أعطاه الخشب ليصنع صليبا أو صنما ، باعه العنب ليصنع خمرا ولكنّه صنعه خلاّ ولم يصنع خمرا وأمثال ذلك ، فليس هناك معصية ولم يصدر منه إثم حتّى تكون الأفعال المذكورة من إعطاء العصا ، وإعطاء الخشب ، وبيع العنب إعانة على الإثم.
نعم بناء على حرمة الإعانة على الإثم ـ كما استظهرنا من الآية والروايات وحكم العقل بقبحها ـ يصدق عليه المتجري ؛ لأنّه أتى بهذه الأفعال بقصد الإعانة قاطعا بأنّها إعانة على الإثم ، لقطعه بصدور الحرام منه أو وثوقه واطمئنانه بصدوره منه ، أو قيام حجّة أخرى عليه. أو يقال بأنّه حرام من جهة أنّ تهيئة أسباب الحرام حرام في نفسه مع قصد ترتّب ذلك الحرام عليها ، لا من جهة الإعانة على الإثم.
والحاصل : أنّ الإعانة على فعل ـ سواء أكان ذلك الفعل من قبيل البرّ والتقوى ، أو كان من قبيل الإثم والعدوان ـ عبارة عن إيجاد مقدّمة من مقدّمات وجود ذلك الفعل الذي صدر عن الغير ، فإذا لم يصدر سواء أكان برجوعه عن قصده أو بواسطة وجود مانع عن إيجاد ذلك الفعل ، فلا معنى لكونه مساعدا له في ذلك الفعل المعدوم.
فالإنصاف أنّ صدور ذلك الفعل الذي هو إثم ، وقوعه في الخارج شرط في صدق الإعانة بالنسبة إلى ذلك الفعل.
وأمّا قولهم في بعض الموارد بأنّه إعانة ، كما أنّه لو أراد التزويج أو أراد شراء دار ، فساعده شخص آخر بإعطاء المال له ليبذل في المهر ، أو لجعله ثمنا لشراء الدار ، فمنعه مانع عن التزويج أو شراء الدار ، أو هو رجع عن إرادته ، فهذا الإطلاق مسامحي. ومرجعه إلى أنّه إعانة وساعده على القدرة على التزويج أو على شراء الدار ، والقدرة الماليّة حصلت. وإلاّ فالقول بأنّه أعانه على فعل لم يفعل لا يخلو عن ركاكة.