غفر له ، وإن من مات ولم يعرف إمام زمانه منهم ، أو لم تكن له بيعة لأحدهم مات ميتة جاهلية ، وإن الأرض لا تخلو منهم طرفة عين ، وإنهم حجج الله على عباده ، وأُمناؤه على وحيه ، وهم من أعلى الله تعالى ذكرهم ، وأمر بولايتهم ، وأوجب الصلاة عليهم ، وفرض مودتهم ، ومن كانوا من النبي والنبي منهم صلّى الله عليه وعليهم.
ترى فمن عساهم أن يكونوا غير من قال الله تعالى فيهم : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ). بلى.. إنهم عليهمالسلام أصحاب الكساء الخيبري وكفىٰ.
وبهذا يمكننا الاقتراب من معالم شخصية من نريد الحديث عنه من أهل البيت عليهمالسلام وهو الإمام السبط الحسن عليهالسلام ، إذ لابدّ وأن تكون شخصيته مجسّدة لعناصر شخصية جده المصطفىٰ صلىاللهعليهوآله ، وأبعاد شخصية صاحب الولاية الكبرى أميرالمؤمنين عليهالسلام ، وروحانية سيدة نساء العالمين صلوات الله عليهم أجمعين.
لقد وجدنا السبط الأكبر عليهالسلام يمثل الطهارة والنقاء في عقله وقلبه وحركته وقوله وفعله ، فكان لا يشتكي ، ولا يسخط ، ولا يبرم حتىٰ من أعدائه ، كان حلماً وكرماً وزهداً وتقوى ، وكان علماً يتفجّر ، فإذا نطق جرت الموعظة والحكمة على لسانه عفواً ، وإذا سكت فبلا عيّ بل عن فكر وتأمّل ، وكان صلوات الله عليه لا يقول ما لا يفعل ، بل يفعل ما يقول وما لا يقول ، وكأنه عليهالسلام يريد للفعل أن يتحدّث عن نفسه لأنه أبلغ في النفوس من كل واعظ وخطيب. ومن معالم تلك الشخصية الفذّة الرمز أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قد غرس في شخصية سبطه الأكبر هيبته وسؤدده ، حتىٰ أنه عليهالسلام كان إذا جلس بباب داره انقطع الطريق من المارة هيبة له ، وكان عليهالسلام يحجّ ماشياً فإذا رآه الصحابة لم يملكوا أنفسهم إلاّ أن يترجّلوا ، ويسيروا بين يديه ومن خلفه إجلالاً ومهابة له. لقد أكّدت سيرة الإمام الحسن عليهالسلام شرعية إمامته وموقعها في حركة الواقع حتىٰ لم تعد بحاجة إلى تلك النصوص الكثيرة التي ألمحنا إلى بعضها ، وذلك من خلال الفرص المتاحة له سواء كان في موقع السلطة أو في خارجها ، إذ كان هادياً ومعلّماً ومرشداً وناصحاً لكل خير مع الانفتاح على شرائح المجتمع كلها انطلاقاً من موقع القدوة والرمز ، الأمر الذي كان يشكّل أكبر خطورة على مطامح ابن آكلة الأكباد في التخطيط لمستقبل السلطة من بعده ، فكان المدبّر لفاجعة سم الحسن عليهالسلام وشهادته. والكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ قد سلّط الأضواء على بعض الجوانب المهمة في حياة إمامنا السبط الحسن عليهالسلام بعبارات واضحة مختصرة فسهّل بهذا مهمة الدخول إلى عالمه الأقدس ، سائلين المولى عزّوجلّ أن يتقبّله منه ، ويمهّد سبل الانتفاع به ، ويجزل المثوبة لمؤلّفه إنّه سميع الدعاء.
مركز الرسالة