ليس أحد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى ؛ مختلفين لا نيّة لهم في خير ولا شر » (١). وهذا الاختلاف من شأنه خلق البلبلة والاضطراب وعدم الوصول إلى وحدة في القرار والموقف. فمنهم أهل الطمع ، ومنهم أتباع كلّ ناعق ، ومنهم الخوارج (٢). ومنهم من له رغبة في الحصول على منافع ومكاسب من معاوية ، ومنهم من يتّبع رئيس قبيلته أينما توجه دون تفريق بين الحقّ والباطل. وقد لعبت الأهواء والشهوات والمنافع الذاتيّة دوراً كبيراً في تبدّل النوايا عمّا كانت عليه من قبل ، وقد وصف الإمام الحسن عليهالسلام هذه الظاهرة قائلاً : « كنتم في مسيركم إلى صفّين ودينكم أمام دنياكم ، وأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم » (٣). فحينما يصبح أمر الدنيا مقدَّماً على أمر الدين وحاكماً عليه : فإنّه يغيّر من معادلة الصراع ومعادلة الموقف ، ويصبح المقاتل تبعا لمصالحه الذاتيّة التي تغيّر من ولائه ومواقفه العمليّة. فلم تبق إلاّ القلّة المخلصة في ولائها للإمام الحسن عليهالسلام ولنهجه السليم كحجر بن عدي وقيس بن سعد وآخرين ، حيث إنّ معركة صفّين قد أدّت إلى فقدان الكثير منهم ، إضافة إلى قيام معاوية بقتل الآخرين منهم كمحمّد بن أبي بكر ومالك الأشتر. ومن الطبيعي أن يفرز تعدّد الولاءات وتعدّد الآراء ـ زيادة على تقديم الدنيا على الدين ـ جملة من الظواهر السلبيّة ، كعدم الإخلاص في القتال ، وضعف القدرة على الثبات والصمود إلى آخر المعركة ، وعدم الانقياد للقيادة الصالحة.. وفي مقابل هذا التعاطف مع معاوية ، والاستعداد الفعلي للغدر والخيانة ، والتأثّر بالإشاعات والحرب النفسيّة. وقد تحقّق ذلك بالفعل بالالتحاق بجيش معاوية ، والاستعداد لتسليم الإمام عليهالسلام إليه ، زيادة على محاولات اغتياله عليهالسلام.
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٣ : ٤٠٧.
(٢) بحار الأنوار ٤٤ : ١٥ ـ ١٦ / ٢.
(٣) الكامل في التاريخ ٣ : ٤٠٦.