الوجه الحقيقي لمعاوية كشفاً لا يمكن بعد ذلك التستّر عليه بتزوير الأحاديث ، وتحريف الوقائع ، ولا تقوّل المبرّرات الموضوعة للتستّر عليه والّتي كان منها عدالة جميع الصحابة ، وغيرها من الفضائل الّتي أدلى بها الوضّاعون من رواة السلاطين كأبي هريرة وأمثاله. وانكشفت حقيقة معاوية أمام الأمويّين خصوصاً أمام عائلة عثمان ، إذ قد رفع معاوية شعار الطلب بدم عثمان وتمرّد على الإمامة الشرعيّة المنصوبة من قبل رسول الله صلىاللهعليهوآله وبالبيعة من قبل أهل الحلّ والعقد ـ كما هو الرأي السائد آنذاك ـ وهو ما حصل في خلافة الإمام الحسن عليهالسلام بعد أن بايعه عامّة المهاجرين والأنصار ، فتخلّى معاوية عن شعاراته حين تمّ الصلح ، وترك متابعة قتلة عثمان ، وحينما دخل دار عثمان قالت عائشة بنت عثمان : وا أبتاه ، وبكت ، فأجابها معاوية : « يا ابنة أخي إنّ الناس أعطونا طاعة ، وأعطيناهم أماناً ... وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد ، ومع كلّ إنسان سيفه وهو يرى مكان أنصاره ، فإن نكثنا بهم نكثوا بنا ولا ندري أعلينا تكون أم لنا ؟ ولأن تكوني بنت عمّ أمير المؤمنين خير من أن تكوني امرأة من عرض المسلمين » (١).
لقد كشف معاوية عن نواياه في عدم الوفاء بالعهود والمواثيق التي قطعها على نفسه وقال : « ألا أنّ كلّ شيء أعطيته للحسن بن عليّ تحت قدميّ هاتين لا أفي به » (٢). وكان لهذا التصريح دور واضح في تقييم الأشخاص والأحداث والمواقف من قبل عموم المسلمين ، حيث استطاعوا تشخيص القيادة الحقيقيّة عن القيادة المزيّفة ، وانكشفت لهم طبيعة الصراع القائم ، فهو ليس صراعاً بين قبيلتين أو شخصين ، وإنّما هو صراع بين منهجين : منهج الاستقامة الّذي يمثّله أهل البيت عليهمالسلام ومنهج الانحراف والجاهليّة الّذي يمثّله الأمويّون. وكان هذا
__________________
(١) عيون الأخبار / ابن قتيبة ١ : ٦٧.
(٢) مقاتل الطالبيّين : ٧٧.