والمراد بالمثل هو الحكم المماثل للأوّل بحسب المصلحة ، بحيث يساوي مصلحته في زمانه مصلحة الأوّل في زمانه ، لا أن تتساوى المصلحتان في زمن واحد ، حتّى يلزم خلوّ النسخ عن الفائدة.
فضحكوا وتعجّبوا من جودة جوابه وحسن محاوراته في خطابه.
ثمّ قال لهم السيّد : يا معشر اليهود ، لو علمنا لكم ميلا واعتناء بطلب الحقّ ، لأتيناكم بالحجج الباهرة والبراهين القاهرة ، لكنّي أنصحكم لإتمام الحجّة ، وأوصيكم بالإنصاف ، وترك التقليد واتّباع الآباء والأجداد ، وترك العصبيّة والحميّة والعناد ، فإنّ الدنيا فانية منقطعة وكلّ نفس ذائقة الموت ، ولا بدّ لعباد الله من لقاء الله تعالى ، وهو يوم عظيم ليس بعده إلاّ نعيم مقيم أو عذاب أليم ، والعاقل من استعدّ لذلك اليوم وأهمّ به وشمّر في هذه الدار لتصحيح العقائد والقيام بما كلف به من الأعمال ، وتأمّل في هذه الملل المختلفة والمذاهب المتشعّبة ، وأنّ الحقّ لا يكون في جهتين متناقضتين ، وأن لا عذر لأحد في تقليد أب ولا جدّ ، ولا الأخذ بملّة أو بمذهب بغير دليل ولا حجّة ، فالناس من جهة الآباء والأجداد شرع سواء ولو كان ذلك منجيا لنجا الكلّ وسلم الجميع ، فيلزم من ذلك بطلان الشرائع والأديان ، وتساوي الكفر والإيمان ، فإنّ الكفّار وعباد الأوثان يقتفون آثار آبائهم ولا عذر لهم في ذلك ، ولا ينجيهم التقليد من العطب والمهالك.
وذكر السيّد من النصح ـ إلى أن قال ـ : وإن كنتم لا تحبّون الناصحين.
فقالوا : كلامكم على أعيننا وفوق رءوسنا ونحن طالبون للحقّ ، راغبون في الصواب والصدق.
فقال لهم السيّد : فما الباعث لكم على اختيار مذهب اليهوديّة وترجيحها على الملّة الإسلاميّة؟
فقالوا : قد اتّفق أصحاب الملل ـ وهم اليهوديّة والنصارى والمسلمون ـ على نبوّة موسى وثبوت شريعته ونزول التوراة عليه ، واختلفوا في نبوّة عيسى ونبوّة