ذلك ويقال إنّ الأحكام الواردة في الشرع إنّما يسلّم جريان الاستصحاب ] (١) فيها إن ثبت كونها مطلقات لم يكن مقيّدة إلى وقت خاصّ واختفى علينا ، أو ممتدّة إلى آخر الأبد ، والذي يجوّز إجراء الاستصحاب فيه هو الأوّل وذلك ؛ لأنّ التتبّع والاستقراء يحكمان بأنّ غالب الأحكام الشرعيّة في غير ما ثبت في الشرع له حدّ ، ليست بانيّة ، ولا محدودة إلى حدّ معيّن وأنّ المشهور يكتفي فيما ورد عنه مطلقا في استمراره ويظهر من الخارج أنّه أراد منه الاستمرار ، فإنّ تتبّع أكثر الموارد واستقرائها يحصّل الظنّ القويّ بأنّ مراده عن تلك المطلقات هي الاستمرار إلى أن يثبت الواقع عن دليل عقلي أو نقلي.
فإن قيل : هذا مردود عليك في حكاية النبوّة.
قلنا : ليس كذلك ، لأنّ الغالب في النبوّات هو التحديد ، بل إنّما الذي ثبت علينا ونسلّمه من الامتداد القابل لأن نمتدّه إلى الأبد هو نبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم.
مع أنّا لا نحتاج في إثباته إلى التمسّك بالاستصحاب حتّى يتمسّك الخصم بأنّ ثبوته أيضا مردّدة بين الأمور الثلاثة ، بل نحن متمسّكون بما نقطع به من النصوص والإجماع.
نعم ، لو تمسّكنا بالاستصحاب في الدوام لا ستظهر علينا الخصم بما نبّهناه عليه.
فإن قيل : قولكم بالنسخ يعيّن الإطلاق ويبطل التحديد ؛ لأنّ إخفاء المدّة وعدم بيان الآخر مأخوذ في ماهيّة النسخ ، وهو بعينه مورد الاستصحاب.
قلنا : ما سمعت من مخاصمتنا مع اليهود في تصحيح النسخ وإبطال قولهم في بطلانه إنّما هو من باب المماشاة معهم في عدم تسليمهم التحديد ، وإبطال قولنا بقبح النسخ ، وإلاّ فالتحقيق أنّ موسى وعيسى عليهمالسلام أخبرا بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وكتابهما ناطق به ، لا أنّ نبوّتهما مطلقة ونحن نبطلهما بالنسخ ، فلمّا كان اليهود منكرا [ لنطو ] كتابهم
__________________
(١) الزيادة أثبتناها من المصدر.