ونبيّهم بذلك وزعموا دوام دينهم ، أو إطلاق النبوّة تمسّكوا بالاستصحاب من باب المماشاة معنا ، وتمسّكوا ببطلان النسخ بناء عليه أيضا فنحن نخاصمهم على هذا الفرض في تصحيح النسخ ، وهذا ما لا يضرّ ما رددنا عليهم في تمسّكهم بالاستصحاب.
فإن قيل : أحكام شرع عيسى عليهالسلام مثلا مطلقات ، والنسخ بالأحكام؟
قلنا : إطلاق الأحكام ـ مع اقترانهما ببشارة عيسى عليهالسلام برسول بعده اسمه أحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم لا ينفعهم ؛ لاستلزامه بوجوب قبول رسالته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبعد قبوله فلا معنى لاستصحاب أحكامهم كما لا يخفى. فافهم ذلك واغتنم » (١).
أقول : لا يخفى ـ مضافا إلى عدم حكاية ما ذكر للواقع كما مرّ ـ أوّلا : أنّ الاستصحاب لا بدّ فيه من ثبوت الحكم آنا ما على وجه الإجمال وكان الشكّ في البقاء في الآن المتأخّر ، ولا شكّ في عدم ثبوت الحكم بالتديّن بدين عيسى عليهالسلام لأمثال أهل هذا الزمان باعتقاد المسلمين ، فلا وجه للاستصحاب.
وثانيا : أنّ الاستصحاب يشترط فيه بقاء الموضوع ، ولا شكّ في فناء من كان مأمورا بالتديّن بدين عيسى عليهالسلام ، فلا وجه للاستصحاب.
وثالثا : أنّ الاستصحاب لو كان حجّة كان حجّة فقاهيّة في الأحكام الفرعيّة وليس حجّة اجتهاديّة فيها فضلا عن الأحكام الأصليّة العلميّة.
ورابعا : أنّ الاستصحاب حجّة في الأحكام الثابتة على وجه الإجمال لا المحدودة بالمبدإ والمنتهى ، والمسلم لا يقول إلاّ بثبوت دين عيسى إلى زمان بعثة نبيّنا ، فلا وجه للاستصحاب بالنسبة إلى المسلم.
وخامسا : أنّ الاستصحاب حجّة لو لم يقم دليل قطعي على خلافه ، ومعجزات نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم عند المسلم أدلّة قاطعة على خلافه عنده ، فلا وجه للاستصحاب.
مضافا إلى أنّ الاستصحاب حجّة بقول نبيّنا وأمنائه فمع إنكارهم لا وجه لاستصحاب.
__________________
(١) « قوانين الأصول » ٢ : ٧٠ ـ ٧٤ ، وقد صحّحنا النقل على المصدر.