وسكت ، واشتدّ جزعه ممّا سمع من الحمار ، ومع ذلك غلب عليه الشقاء واشترى الحمار منه ثابت بن قبيس بمائة درهم ، فكان يركبه ويجيء إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو تحته هيّن ليّن ذليل كريم ، يقيه التلف ويرفق به في المسالك ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول له : يا ثابت هذا لك وأنت مؤمن مرتفق بمرتفقين. فلمّا انصرف القوم من عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يؤمنوا أنزل الله يا محمّد ، ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ ) في العظة ( أَأَنْذَرْتَهُمْ ) فوعظتهم وخوّفتهم ( أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) (١) لا يصدّقون بنبوّتك ، وهم قد شاهدوا هذه الآيات وكفروا فكيف يؤمنون بك عند قولك ودعائك؟! » (٢).
[٤] ومنها : ما روي : « أنّه لمّا نزلت هذه الآية ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) (٣) في حقّ اليهود والنواصب ، قالوا له : يا محمّد ، زعمت أنّه ما في قلوبنا شيء من مواساة الفقراء ومعاونة الضعفاء والنفقة في إبطال الباطل وإحقاق الحقّ ، وأنّ الأحجار ألين من قلوبنا وأطوع لله منّا وهذه الجبال بحضرتنا ، فهلمّ بنا إلى بعضنا فاستشهده.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للجبل : إنّي أسألك بجاه محمّد وآله الطيّبين الذين بذكر أسمائهم خفّف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه وهم خلق كثير لا يعرف عددهم إلاّ الله عزّ وجلّ ، وبحقّ محمّد وآله الطيّبين الذين بذكر أسمائهم ، وسؤال الله بهم في رفع إدريس في الجنّة مكانا لما شهدت لمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم بما أودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم وتكذيبهم في جحدهم بقول محمّد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فتحرّك الجبل وتزلزل وفاض عنه ماء ونادى : يا محمّد ، أشهد أنّك رسول الله ربّ العالمين وسيّد الخلائق
__________________
(١) البقرة (٢) : ٦.
(٢) « بحار الأنوار » ١٧ : ٣٠٢ ـ ٣٠٧ ، نقلا عن « التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري » : ٩٢ ـ ٩٨ ، ح ٥٢.
(٣) البقرة (٢) : ٧٤.