أنّه لمّا مات الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم خطب أبو بكر وقال : أيّها الناس من كان يعبد محمّدا فإنّ محمّدا مات ، ومن كان
يعبد ربّ محمّد فإنّه حيّ لا يموت ، فلا بدّ لخلافته من تقوم به فعيّنوه بآرائكم ، فقالوا : صدقت ولم يكذّبه أحد ، وهو المعنيّ من الإجماع على وجوب تعيين الإمام. (١)
ويرد عليهم أنّ أمر الخلافة إذا كان بهذه المرتبة بحيث يجوز ترك تجهيز النبيّ صلىاللهعليهوآله بل هو تالي النبوّة الموجب لحفظ الشريعة وحصول السعادة والشقاوة بالمتابعة والمخالفة ، فكيف يجوز ترك النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لبيانه وإهماله وتفويضه على رأي من لا يتمكّن من إدراك الكمالات الظاهريّة فضلا عن الباطنيّة التي لا يستحقّ الخلافة بدونها ، وقد بيّن لما هو أخسّ الأمور كالتخلّي؟ ومسائل عديدة ولم يفوّضه إلى رأي الأمّة ، فكيف يتعقّل منه إهمال ما هو من أصول الدين وعدم بيانه بل عدم الأمر بتعيينه بعده ، مع أنّه مبعوث لبيان الواجبات وغيرها من أحكام الله تعالى وقد بلّغ جميعها حتّى آداب دخول الحمّام وأكل الطعام والتخلّي ونحو ذلك ، مع أنّ دأبه صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كما قيل ـ كان نصب الخليفة حين الحياة بسبب أدنى الغيبة من المدينة ونصب الأمير لجنوده وسريّته؟ فكيف يتصوّر منه تخلية جميع الأمّة بعد وفاته بلا رئيس حافظ للشريعة؟
وأيضا فإنّ الأصحاب ـ الذين تركوا تجهيز النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم واشتغلوا بخطبة أبي بكر ـ لا اعتبار بإجماعهم.
وأيضا فإنّ أبا بكر تكلّم بكلام فيه سوء الأدب بالنسبة إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كما لا يخفى ، ونسب العبوديّة إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم فمثل هذا كيف يصلح للخلافة؟! ختم الله على قلوبهم.
__________________
(١) يعدّ هذا الدليل واحدا من الأدلّة التي ساقها أهل السنّة على وجوب نصب الإمام ، وذكر التفتازاني أنّه العمدة بحيث إنّ الصحابة قدّموه وجعلوه من أهمّ الواجبات واشتغلوا به عن دفن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. انظر « شرح المقاصد » ٥ : ٢٣٦.