أن قال : « فمحض ممّا قرّرنا وبيّنّا أنّ محمّدا أوّل ما خلق الله ، وأنّه علّة الموجودات فالسبق بهذا المعنى ؛ لأنّ السبق على أنحاء سبعة : السبق الطبيعي ، والذاتي ، والشرفي ، والمكاني ، والزماني ، والسبق الحقيقي وهو تقدّم عالم المشيئة والإبداع على سائر المفعولات ؛ إذ هو سبق بكلّ من هذه الحيثيّة المتقدّمة وزيادة سبق السرمديّة ، والسبق الحقّي وهو تقدّم الواجب على من سواه ؛ إذ هو السبق بكلّ سبق من الستّة المتقدّمة وزيادة سبق الأزليّة الأبديّة المطلقة » (١).
ثمّ قال بهذه العبارة : « وأمّا العلّة فهي فاعليّة كما قال عليهالسلام : « نحن صنائع الله والخلق بعد صنائع لنا » (٢) ، كما في قوله عليهالسلام لكميل : « نور أشرق من صبح الأزل فتلوح على هياكل التوحيد آثاره » (٣) ، فالنور هو المشار إليه ، وصبح الأزل هو الموجود المطلق وعالم المشيئة ، وهياكل التوحيد الصور القائمة بمرايا الوجود المطلق ؛ فإنّها فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ، والآثار مظاهر الوجود المطلق وتجلّياته ، فإنّ هيئاتها تحكي كينوناته ، فالصور صفاته بالذات أو بالعرض ، فتلوح تجليّات الوجود أي تبرز على هيئات تلك الهياكل ، فجميع الصور صور شئونه صلىاللهعليهوآله وتطوّراته ، وإليه الإشارة بقول : عليّ عليهالسلام : « وإنّا نتقلّب في الصور كيف ما شاء الله ، من رآهم فقد رآني ، ومن رآهم فقد رآهم » (٤) ، فهو صلىاللهعليهوآله العلّة الصوريّة ، وهو أيضا علّة مادّيّة ؛ لأنّ الوجودات بأسرها أشعّة أنوارها وصدى أصوات خطاباته ، فإنّ جميع ما في الإمكان غيرهم فإنّما خلقوا من أشعّة أنوارهم ، فجميع موادّ الأشياء من تلك الأشعّة ، والأشياء مركّبة من الموادّ والصور. أمّا الموادّ فعرفتها كما قلنا لك.
__________________
(١) المصدر السابق : ١٥٦ ـ ١٥٧.
(٢) « الاحتجاج » ٢ : ٥٦٣. بتفاوت يسير.
(٣) « جوامع الكلم » ، الرسالة القطيفيّة : ١٥٧.
(٤) المصدر السابق : ١٥٧.