وتقول الأحاديث الصحيحة : كان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلمّا توفّيت انصرفت وجوه الناس عنه ، وعند ذاك بايع أبا بكر!
ويقول هو : « وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر ... » ويقول : « فنظرت فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي ، فضننت بهم عن الموت ... ».
ويقولون : أمسك!
يقول : صبرت ...
ويقولون : ضحّى ، تنازل ، أغضى ...!
وأمّا موقف الامام عليهالسلام من معاوية فقد اختلف تماماً ، لأن ظروفه أختلفت ، فما كان يشكو منه سابقاً ـ وهو عدم المعين إلاّ أهل بيته ـ منتفٍ الآن ... لقد وجد الآن من يعينه على أمره ، لقد بايعه المسلمون وعلى رأسهم المهاجرون والأنصار ، وأعلنوا الوقوف معه ضد كلّ من يبغي عليه ، وهم يعرفون معاوية واسلافه وفئته الباغية ... لكنّ الامام عليهالسلام لم ينابذه الحرب الاّ بعد أن أرسل إليه الرّسل والكتب ، وأتّم عليه الحجج ... وقد كان ممّا قال له :
« إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر عمر وعثمان على ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يرد ، وإنّما الشورى للمهاجرين والإنصار ، فإن اجتمعوا على رجلٍ وسمّوه إماماً كان ذلك الله رضىً ، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه ، فإن أبى قاتلوه على أتباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاّه الله ما تولّى » (١).
وقد جاء هذا المعنى في خطبةٍ له عليهالسلام :
« أيها الناس ، إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله
__________________
(١) نهج البلاغة ط صبحي الصالح : ٣٦٦.