إن شاء الله (١) ، ونشير إلى إجماله هنا توضيحاً للمراد فنقول : مشروعية عبادات الصبي هي المعروفة عندهم ، وعن غير واحد الاستدلال عليها بإطلاقات أدلّة التكليف كالأوامر المتعلِّقة بالصلاة أو الصوم أو غيرهما ، حيث إنّ إطلاق هذه الخطابات يشمل الصبيان وقد رفع عنهم الإلزام بما دلّ على رفع القلم عن الصبي فلا محالة تبقى محبوبية العمل بحالها وهي كافية في صحّته.
ولكن الاستدلال بذلك عليل بل لعلّه أمر واضح الفساد وذلك أما أوّلاً ، فلأنّ التكاليف الشرعية أُمور غير قابلة للتجزية والتقسيم إلى إلزام ومحبوبية حتى يبقى أحدهما عند ارتفاع الآخر ، نظير ما ذكروه في محله من أنه إذا نسخ الوجوب بقي الجواز ، لأنها بسائط بحتة صادرة عن الشارع ، فاذا فرضنا أن هذا الأمر الواحد البسيط قد رفعه الشارع عن الصبي فلا يبقى هناك شيء يدل على محبوبية العمل في نفسه.
وأمّا ثانياً : فلما بيّناه في محله من أن الأحكام الإلزامية من الوجوب والتحريم مما لا تناله يد الجعل والتشريع ، لأن ما هو مجعول للشارع إنما هو الاعتبار أعني اعتباره شيئاً على ذمة المكلفين وهو ملزوم لتلك الأحكام الإلزامية ، وأما الأحكام الإلزامية بنفسها فهي أحكام عقلية يدركها العقل بعد اعتبار الشارع وجعله ، لأنه إذا اعتبر العمل على ذمة المكلفين ولم يرخّصهم في تركه فلا محالة يدرك العقل لابدية ذلك العمل واستحقاق المكلف العقاب على مخالفته. فتحصّل : أن الإلزام من المدركات العقلية ومجعول الشارع أمر آخر وعليه فلا معنى لرفع الإلزام بالحديث لأنه ليس من المجعولات الشرعية كما عرفت ، فلا مناص من أن يتعلّق الرفع بالاعتبار الذي عرفت أنه فعل الشارع ومجعوله ، فإذا فرضنا أنّ الشارع رفع اعتباره في حق الصبي فمن أين يستفاد محبوبية العمل بالإضافة إليه؟ فهذا الاستدلال ساقط.
وأحسن ما يستدل به على مشروعية عبادات الصبي إنما هو الأمر الوارد بأمر
__________________
(١) في المسألة [١٨١١].