وعدمه ، هذا بل الشهادتان مع فرض وحدة المشهود به متنافيتان دائماً لاستحالة كون الموجود الواحد بولاً ودماً فأحدهما ينفي الآخر لا محالة ، وعليه فلا يمكن الحكم بثبوت النجاسة في مفروض المسألة حتى إذا قلنا بكفاية شهادة العدل الواحد في الموضوعات الخارجية ، وذلك لأنهما شهادتان متعارضتان وقد مرّ أن التعارض مانع عن شمول دليل الاعتبار للمتعارضين ، هذا كله مع وحدة المشهود به.
وأما إذا كان المشهود به موجودين مختلفين ، كما إذا شهد أحدهما على أن الهرّة بالت في الإناء بعد صلاة المغرب وشهد الآخر بأنها بالت فيه بعد طلوع الشمس ، وهذا لا بمعنى أن ما رأى أحدهما هو الذي رآه الآخر وإنما يختلفان في زمانه حتى يرجع إلى الصورة الاولى من صور وحدة المشهود به ، بل إن هناك أمرين متعددين والمشهود به لأحدهما غير المشهود به للآخر ، فقد ظهر مما ذكرناه في الصور المتقدمة أن البينة لا تثبت نجاسة الملاقي حينئذ لتعدد المشهود به فتدخل الشهادتان بذلك تحت شهادة العدل الواحد ، وأما الجامع الانتزاعي فقد عرفت حكمه فلا نعيد.
وكذلك الحال فيما إذا كان المشهود به أمرين متعدِّدين مع اختلاف الشاهدين في صنفهما أو في نوعهما ، والأوّل كما إذا شهد أحدهما بوقوع قطرة دم من رعافه في الإناء وشهد الآخر بوقوع قطرة دم من المذبوح فيه. والثاني كما إذا شهد أحدهما بوقوع قطرة بول فيه ، وشهد الآخر ، بوقوع قطرة دم فيه لا مع اتفاقهما على أن ما وقع فيه قطرة واحدة وأن ما رأى أحدهما هو الذي رآه الآخر كما في الصورة الأخيرة من صور وحدة المشهود به ، بل هما متفقان على تعدد القطرة وأن المشهود به لأحدهما غير المشهود به للآخر ، فالمدار في استكشاف وحدة المشهود به وتعدّده في هذه الصورة إنما هو على العنوان الذي تقع الشهادة بذلك العنوان ، ففي الصورة المتقدّمة وقعت الشهادة على وقوع قطرة نجس في الإناء إلاّ أن أحدهما يدعي أنها قطرة دم والآخر يدّعي أنها قطرة بول ، وأما في هذه الصورة فإحدى الشهادتين إنما وقعت على وقوع قطرة بول فيه والشهادة الأُخرى وقعت على وقوع قطرة دم فيه فالمشهود به في إحدى الشهادتين غير المشهود به في الثانية. وكيف كان ، فلا يترتّب على شهادة البيِّنة أثر مع تعدّد المشهود به.