ليلاً وقال الآخر وقعت فيه نهاراً ، وهما متفقان على أنّ ما شاهده أحدهما هو الذي شاهده الآخر بعينه ، أو أخبرا عن مجيء زيد واختلفا في زمانه ، ونحوهما مما كان المشهود به للشاهدين موجوداً واحداً ، فلا إشكال في ثبوت النجاسة بشهادتهما ، ولا يضرّها اختلافهما في عوارض المشهود به لأن العوارض والطوارئ مما لا مدخلية له في شيء من الأحكام الشرعية وموضوعاتها ، فإن النجاسة مثلاً حكم ثبت على ما لاقته عين نجسة كانت ملاقاتهما في الليل أم في النهار.
وكذلك الحال فيما إذا كان المشهود به موجوداً واحداً إلاّ أن الشاهدين اختلفا في صنفه ، كما إذا شهدا على وقوع ميتة مشخصة في ماء قليل واتفقا على أن ما شاهده أحدهما هو الذي شاهده الآخر ولكنهما اختلفا في أنها ميتة هرة أو شاة أو ادعى أحدهما أن الميتة رجل الشاة وقال الآخر بل كانت يد الشاة ، أو شهدا على وقوع قطرة من دم الرعاف في الإناء واختلفا في أنه من هذا أو من ذاك لأنّ المشهود به موجود واحد فلا مناص من الحكم بنجاسة الماء بشهادتهما ، واختلافهما في صنفه كاختلافهما في عوارضه غير مانع عن اعتبار الشهادتين ، لأنّ الخصوصيات الصنفية غير دخيلة في نجاسة الميتة أو الدم ونحوهما ، حيث إن الميتة مما له نفس سائلة تقتضي نجاسة ملاقيها كانت ميتة هرة أم شاة وهكذا.
وأما إذا كان المشهود به موجوداً واحداً إلاّ أنهما اختلفا في نوعه ، كما إذا اتفقا على أن قطرة نجس قد وقعت في الإناء إلاّ أنهما اختلفا فقال أحدهما إنها كانت قطرة بول وشهد الآخر بأنها كانت قطرة دم ، فالصحيح أن النجاسة لا تثبت بشهادتهما حينئذ وذلك لتعدد المشهود به ، حيث شهد أحدهما بوقوع قطرة دم في الإناء وشهد الآخر بوقوع قطرة بول فيه وهما أمران متعددان ، وإن كان الواقع في الإناء موجوداً واحداً فهاتان الشهادتان تدخلان في شهادة العدل الواحد وهي خارجة عن البينة. وأما العنوان الانتزاعي أعني وقوع أحدهما في الإناء فقد عرفت أنه ليس بمشهود به للبينة بالمطابقة وإنما هو مدلول التزامي للشهادتين ، وقد مرّ أن الدلالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية حدوثاً وحجية ، ومع عدم اعتبار الشهادتين في مدلولهما المطابقي لا يبقى مجال لحجيتهما في مدلولهما الالتزامي بلا فرق في ذلك بين نفي أحدهما الآخر