الحكم بنجاسته فعلاً بالاستصحاب ، لما قدّمنا في محله من أن الأمارة إذا قامت على طهارة ما علمنا بنجاسته بالوجدان سابقاً كما أنه يمنع عن جريان استصحاب النجاسة فيه لأنه من نقض اليقين باليقين ، كذلك إذا قامت على نجاسة شيء أو طهارته حدوثاً لأنها علم تعبدي فلا يجوز نقضه بالشك فيستصحب حكمها ، لبداهة أنه لا فرق في اليقين السابق بين الوجداني والتعبدي فإنّ إطلاق اليقين يشملهما ، فإذا أخبرت البيِّنة عن نجاسته سابقاً فلا مانع من استصحابها لأنها يقين تعبدي.
وإنّما الكلام فيما إذا اختلفت شهادتهما فشهد أحدهما بنجاسته فعلاً والآخر بنجاسته سابقاً ، فان كانت الواقعة المشهود بها متعددة كما إذا أخبر أحدهما عن أن قطرة من دم الرعاف أصابت الإناء آخر الليل وأخبر الآخر عن إصابة نجس آخر للإناء أوّل الليل فلا تثبت النجاسة حينئذ بشهادتهما فيما إذا كانا متحدين من حيث الزمان فضلاً عما إذا كانا مختلفين زماناً ، بناء على عدم ثبوت النجاسة باخبار العدل الواحد. ولعل هذه الصورة غير مرادة للماتن قدسسره. وأما إذا كانت الواقعة واحدة كما إذا شهدا بوقوع ميتة حيوان معين في الإناء إلاّ أنهما اختلفا في زمانه وادعى أحدهما أنها وقعت في أول الليل وقال الآخر وقعت فيه آخره فاتفقا من جهة واختلفا من جهة فلا مانع من الحكم بثبوت النجاسة بشهادتهما لوحدة الواقعة المشهود بها ، وكونها أول الليل وآخره مما لا دخالة له في نجاسة الإناء ، نعم إنما تثبت بهما النجاسة الجامعة بين الزمانين من غير تعيين أحدهما.
ثم إنّ هناك صوراً : الاولى : ما إذا علمنا أن ذلك الإناء الذي قامت البينة على نجاسته أوّل اللّيل أو آخره لم يطرأ عليه مطهّر لا في أوّل اللّيل ولا في آخره ، ولا ينبغي الاشكال أن الإناء مثلاً يجب الاجتناب عنه حينئذ ، لأن النجاسة سواء وقعت فيها أول اللّيل أو في آخره باقية بحالها بلا حاجة معه إلى استصحاب النجاسة للعلم الوجداني ببقاء النجاسة الجامعة بين الزمانين ، ونظيره ما إذا شهدت البينة بنجاسة شيء في زمان معين كأول الليل في المثال وقد علمنا بعدم طرو مطهّر عليه إلى آخر اللّيل ، لأنّا لا نحتاج في الحكم بنجاسته آخر اللّيل إلى استصحابها للعلم الوجداني ببقائها.