الدم المتخلف الطاهر إلاّ بالتلازم العقلي ، بل الوجه في ذلك هو استصحاب بقاء الدم المشكوك فيه في الجوف وعدم خروجه إلى الخارج حين الذبح فيحكم بطهارته وطهارة ما لاقاه من الدم المتخلف ، وعلى تقدير الإغماض فيرجع إلى استصحاب الطهارة أو إلى أصالة الطهارة.
وقد يتوهّم أنّ الدم المتخلف المردد بين القسم الطاهر والنجس بما أنه مسبوق بالنجاسة للعلم بنجاسته حال كونه في عروق الحيوان في حياته فإذا شككنا في طروّ الطهارة عليه نستصحب بقاءه على نجاسته.
ويدفعه : أنه لا دليل على نجاسة الدم حال كونه في العروق ، وإنما يحكم بنجاسته بعد خروجه عنها ، على أنه لو صح ذلك كان ما ذكرناه من الاستصحاب حاكماً على استصحاب النجاسة.
وقد يقال : إن الأصل في الدماء هو النجاسة فكل دم شك في طهارته ونجاسته يبنى على نجاسته ، وذلك لموثقة عمّار « في ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب؟ فقال : كل شيء من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلاّ أن ترى في منقاره دماً فإن رأيت في منقاره دماً فلا تتوضأ منه ولا تشرب » (١) لأن ظاهرها نجاسة الدم وإن احتمل أنه من الدم الطاهر.
وأما ما يتوهم من أن إطلاق الموثقة يعارضه إطلاق ذيلها حيث رواها الشيخ قدسسره مذيّلة بقوله : « وسئل عن ماء شربت منه الدجاجة ، قال : إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه ولم يشرب وإن لم يعلم أن في منقارها قذراً توضأ منه واشرب (٢) ، لأنه صريح في اختصاص المنع عن التوضؤ بالماء المذكور بصورة العلم بوجود القذر في منقار الدجاجة ، فيدور الأمر بين رفع اليد عن صدر الرواية وحمله على صورة العلم بنجاسة ما في منقار الطيور من الدم وبين رفع اليد من إطلاق ذيلها وتقييده بغير الدم من القذارات ، وحيث إنه لا قرينة على أحد التصرفين فتصبح
__________________
(١) الوسائل ١ : ٢٣٠ / أبواب الأسآر ب ٤ ح ٢ ، ٣ : ٥٢٨ / أبواب النجاسات ب ٨٢ ح ٢.
(٢) الإستبصار ١ : ٢٥ / ٦٤ ، الوسائل ١ : ٢٣١ / أبواب الأسآر ب ٤ ح ٣.