ربما يلوح من محكي كلام الحلِّي (١) قدسسره ، وهذه الأخبار المستدل بها إنما وردت في المائع المتنجس فهي خارجة عما نحن بصدده. نعم ، إذا كان مدعى القائل بعدم منجسية المتنجس عدم تنجيسه ولو في تلك الصورة لكانت الأخبار المتقدمة حجة عليه في المتنجس المائع أو الرطب ، هذا.
وقد يستدل للمشهور بموثقة عمّار الساباطي ، قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن البارية يبل قصبها بماء قذر ، هل تجوز الصلاة عليها؟ فقال : إذا جفّت فلا بأس بالصلاة عليها » (٢) حيث دلت على عدم جواز الصلاة على البارية فيما إذا كانت رطبة ، ولا وجه له سوى أنها منجسة لما أصابها من بدن المصلي أو ثيابه. إلاّ أن الاستدلال بها في غير محله ، لأن الجفاف فيها إن حمل على الجفاف بإصابة الشمس فحسب كما حمله على ذلك جماعة واستدلوا بها على مطهِّرية الشمس للحصر والبواري ، وحملوا الصلاة عليها على إرادة السجود على البارية لكونها من النبات ومما يصح السجود عليه فهي أجنبية عن تنجيس المتنجس وعدمه ، لأنّ معناها حينئذ أن القصب المبلل بماء قذر إذا جف بالشمس طهر فلا مانع معه من أن يسجد عليه ، وأما إذا كان رطباً أو جف بغير الشمس فهو باق على نجاسته فلا يجوز السجود عليه لاعتبار الطهارة فيما يسجد عليه.
وأما إذا حمل على مطلق الجفاف كما هو الصحيح ، حيث إن الموثقة لم تقيد الجفاف بإصابة الشمس ، ومن هنا استشكلنا في الاستدلال بها على مطهرية الشمس للحصر والبواري وحملنا الصلاة فيها على إرادة الصلاة فوق البارية لا على السجود عليها وإن كان قد يسجد عليها إذا صلّى فوقها ، إلاّ أن الرواية ناظرة إلى حكم ما إذا صلّى فوقها سجد عليها أم لم يسجد ، فمعنى الرواية أن القصب المبلل بالماء القذر لا مانع من أن يصلى فوقه إذا يبس لعدم سراية النجاسة منه إلى بدن المصلي أو ثيابه ، ولا يجوز الصلاة فوقه إذا لم يجف لسراية النجاسة لما أصابها ، وعليه أيضاً تخرج الموثقة عما نحن
__________________
(١) تقدّم في ص ٢٠٦.
(٢) الوسائل ٣ : ٤٥٤ / أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٥.