بصدده فيكون حالها حال الأخبار المتقدمة ، لما عرف من أن منجسية المائع المتنجس أو المتنجس الجامد الرطب مما لا خلاف فيه ، ولا دلالة للموثقة على أن المتنجس إذا جف ثم لاقى شيئاً رطباً ينجسه أو لا ينجسه.
فاذن العمدة في تنجيس المتنجس بعد جفافه وقبله عدّة روايات وردت في الأمر بغسل الأواني الملاقية للخمر أو الخنزير أو الكلب أو موت الجرذ فيها أو غير ذلك من النجاسات ، المتضمنة لوجوب غسلها من إصابة الخنزير أو موت الجرذ سبع مرّات (١) ومن إصابة الخمر وسائر النجاسات ثلاثاً (٢) ولوجوب تعفيرها من جهة ولوغ الكلب (٣) ، وذلك لأن الأواني غير قابلة للأكل ولا للبس في الصلاة ولا لأن يسجد عليها حتى يتوهّم أن الأمر بغسلها مستند إلى شيء من ذلك ، وعليه فلو قلنا إنّ المتنجس بعد جفافه غير منجّس لأصبح الأمر بغسل الأواني على كثرته وما فيه من الاهتمام والتشديد في تطهيرها لغواً ظاهراً ، حيث لا مانع من إبقائها بحالها واستعمالها من غير غسل لأنها غير مؤثرة في تنجيس ما أصابها ، فهذا كاشف قطعي عن أن الأمر بغسل الأواني إرشاد إلى أنها منجّسة لما يلاقيها برطوبة.
ومن الغريب في المقام ما صدر عن المحقق الهمداني قدسسره حيث أجاب عن تلك الروايات بأنّ غاية ما يستفاد من الأمر بغسل الأواني ونحوها إنما هو حرمة استعمالها ومبغوضيته حال كونها قذرة ، ولا دلالة لها على أنها منجّسة ومؤثرة في نجاسة ما فيها بوجه ، فالأمر بغسل الأواني مقدّمة لارتفاع المتنجس وحرمته لا أنه إرشاد إلى منجسيتها (٤). والوجه في غرابته : أن من الواضح أن استعمال الإناء المتنجس والأكل فيه إذا لم يؤثر في نجاسة ما فيه من الطعام والشراب مما لا مبغوضية فيه ولا أنه حرام بضرورة الفقه ، فيتعيّن أن يكون الأمر بغسله إرشاداً إلى تنجيسه لما
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤١٧ / أبواب النجاسات ب ١٣ ح ١ ، وفي ص ٤٩٧ ب ٥٣ ح ١.
(٢) الوسائل ٣ : ٤٩٤ / أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١ ، ب ٥٣ ح ١.
(٣) الوسائل ٣ : ٥١٦ / أبواب النجاسات ب ٧٠ ح ١ وكذا في ١ : ٢٢٥ / أبواب الأسآر ب ١ ح ٢.
(٤) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٥٧٨ السطر ١١.