يلاقيه ، وليس الأكل في الأواني المتنجسة كالأكل في أواني الذهب والفضة ، حيث إن الأكل والشرب فيهما مبغوضان في نفسهما للنصوص المانعة عن استعمالهما ، وهذا بخلاف الأكل في الأواني المتنجسة لأنه لم يدل دليل على مبغوضيته ما لم تكن نجاستها مؤثرة في نجاسة ما فيها من الطعام والشراب.
ودعوى أنّ الأمر بغسلها إنما هو لاهتمام الشارع بالتحفظ والاجتناب عن النجاسات العينية المتخلفة آثارها في الأواني المتقذرة ، وليس إرشاداً إلى كونها منجسة لملاقياتها ، مدفوعة بأن هذا إنما يتم احتماله في المتنجس ببعض النجاسات كالميتة والخمر ولا يتطرّق في جميع الأواني المتنجسة كالمتنجس بالماء القذر ، حيث إنه إذا جف لم يبق منه عين ولا أثر.
ونظير الأخبار المتقدمة ما ورد من عدم البأس بجعل الخل في الدن المتنجس بالخمر إذا غسل (١) لأن البأس المتصور في جعل الخل في الدن المتنجس على تقدير عدم غسله ليس إلاّ سراية النجاسة منه إلى ملاقيه ، حيث إنّ الأكل في الدن غير معهود فلا يتوهم أن البأس من جهة حرمة الأكل فيه ، بدعوى أنّ الأكل في الإناء المتنجس مبغوض في نفسه وإن لم يكن مؤثراً في نجاسة ما فيه من الطعام والشراب فالغسل مقدّمة لحلِّية الأكل فيه ، لوضوح أن ما في الدن إنما يؤكل بعد إخراجه عنه ووضعه في إناء آخر ، فالبأس فيه قبل غسله ليس إلاّ من جهة كونه منجساً لما أصابه.
وتؤكِّد الأخبار المتقدمة الأخبار الآمرة بغسل الفراش ونحوه المشتملة على بيان كيفيته (٢) ، وذلك لأنّ الفراش ونظائره لا يستعمل في شيء مما يعتبر فيه الطهارة من الأكل أو اللبس في الصلاة ، فلا وجه للأمر بغسلهما إلاّ الإرشاد إلى أنهما منجسان لما أصابهما.
__________________
(١) كما في موثقة عمّار المروية في الوسائل ٣ : ٤٩٤ / أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١ وكذا في ٢٥ : ٣٦٨ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٣٠ ح ١ ، ٦.
(٢) الوسائل ٣ : ٤٠٠ / أبواب النجاسات ب ٥ ح ١ ٣.