بعد تقييد مطلقها بمقيدها عدم تنجيس المتنجس الجاف للماء الوارد عليه هذا.
ولا يخفى أنها وإن دلت على طهارة القطرات المنتضحة من الأرض النجسة حال جفافها إلاّ أنه لا بد من الاقتصار فيها على موردها ، وهو الماء القليل الذي أصابه النجس من غير أن يستقر معه ولا يمكننا التعدي عنه إلى غيره ، فان الالتزام بعدم انفعال الماء القليل حينئذ أولى من الحكم بعدم تنجيس المتنجس على وجه الإطلاق فإن الحكم بعدم انفعال الماء القليل في مورد الرواية لا يستلزم سوى ارتكاب تقييد المطلّقات الواردة في انفعال الماء القليل بملاقاة النجس ، فيستثنى منها ما إذا لم يستقر القليل مع النجس ولا محذور في التقييد أبداً ، وهذا بخلاف الالتزام بعدم تنجيس المتنجسات ، لأنه مخالف للأدلة الواردة في منجسية المتنجس كالنجس هذا.
بل يمكن أن يقال : إن الحكم بعدم انفعال الماء في مفروض الكلام مما لا يستلزمه أي محذور حتى تقييد المطلقات ، وذلك لأن ما دلّ على انفعال الماء القليل بملاقاة النجس أمران : أحدهما : مفهوم ما ورد من أن الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجّسه شيء (١). وثانيهما : الأخبار الواردة في موارد خاصة كالماء الذي وقعت فيه فأرة ميتة أو الإناء الذي قطرت فيه قطرة من الدم (٢) وغير ذلك من الموارد المتقدمة في تضاعيف الكتاب ، ولا إطلاق في شيء منهما يقتضي انفعال الماء القليل بمجرد ملاقاة النجس وإن لم يستقر معه. أما مفهوم قوله : الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء فلما حققناه في محلِّه من أنه لا إطلاق في مفهوم ذلك ولا دلالة له على أن الماء إذا لم يبلغ قدر كر ينجسه كل شيء ، وإنما يقتضي بمفهومه أنه إذا لم يبلغ قدر كر ينجسه شيء ما ، وليكن ذلك هو الأعيان النجسة بل المتنجسات أيضاً ولو كان الماء وارداً على خلاف السيد المرتضى قدسسره حيث فصّل بين الوارد والمورود (٣) ولا يستفاد من مفهومه أنّ النجس أو المتنجس منجس للماء في جميع الأحوال والكيفيات وإن لم يستقر معه.
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٥٨ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١ ، ٢ ، ٥ ، ٦.
(٢) الوسائل ١ : ١٤٢ / أبواب الماء المطلق ب ٤ ح ١ وفي ص ١٥٠ ب ٨ ح ١.
(٣) الناصريات : ٢١٥ المسألة الثالثة.