الصحيحتين وإن كانتا ظاهرتين في الإطلاق من حيث رطوبة الشاذكونة وجفافها ، إلاّ أنه لا بد من تقييدهما بصورة الجفاف وعدم رطوبتهما للأخبار المعتبرة الدالة على اعتبار الجفاف في مكان الصلاة إذا كان نجساً كما يأتي نقلها عن قريب ، فاذا قيدنا الصحيحتين بصورة الجفاف فلا محالة تنقلب النسبة بينها وبين الموثقة من التباين إلى العموم المطلق ، لإطلاق الموثقة وشمولها لصورتي جفاف الشاذكونة ورطوبتها ، وبما أن الصحيحتين المجوزتين مختصتان بصورة الجفاف فيتقيد بهما الموثقة وتكون محمولة على صورة الرطوبة لا محالة ، هذا كله في الجواب عن الموثقة.
وأما غيرها من الأخبار الثلاثة المتقدمة فالجواب عنها أنها أيضاً كالموثقة معارضة بغير واحد من الأخبار : منها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهالسلام قال : « سألته عن البواري يبل قصبها بماء قذر أيصلّى عليه؟ قال : إذا يبست فلا بأس » (١) ومنها : موثقة عمّار قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن البارية يبل قصبها بماء قذر هل تجوز الصلاة عليها؟ فقال : إذا جفت فلا بأس » (٢). ومنها : ما رواه في قرب الاسناد أيضاً عن علي بن جعفر عن أخيه عليهالسلام قال : « سألته عن رجل مرّ بمكان قد رش فيه خمر قد شربته الأرض وبقي نداوته أيصلِّي فيه؟ قال : إن أصاب مكاناً غيره فليصل فيه وإن لم يصب فليصل ولا بأس » (٣) ، ومنها : صحيحة أُخرى لعلي بن جعفر حيث سأل أخاه عليهالسلام عن البيت والدار لا تصيبهما الشمس ويصيبهما البول ، ويغتسل فيهما من الجنابة ، أيصلّى فيهما إذا جفا؟ قال : نعم (٤) فان هذه الأخبار معارضة مع الأخبار الثلاثة المتقدِّمة لدلالتها على جواز الصلاة في الموضع النجس.
ويمكن الجمع بينهما أيضاً بأحد وجهين : أحدهما : حمل المانعة على إرادة خصوص مسجد الجبهة وأنه لا بد من خلّوه عن مطلق النجاسة يابسة كانت أم رطبة ولا
__________________
(١) ، (٢) الوسائل ٣ : ٤٥٤ / أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٥
(٣) الوسائل ٣ : ٤٥٥ / أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٧ ، قرب الاسناد : ١٩٦ / ٧٤٦.
(٤) الوسائل ٣ : ٤٥٣ / أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ١.