النوبة إلى الترجيح ، وحيث إنّ الطائفة الثانية صريحة في جواز الصلاة عارياً وظاهرة في تعينها ، فإنّ الإطلاق في صيغ الأمر والجملات الخبرية وسكوت المتكلم عن ذكر العدل في مقام البيان يقتضي التعيين ، والطائفة المتقدمة صريحة في جواز الصلاة في الثوب المتنجس وظاهرة في تعينها ، فنرفع اليد عن ظهور كل منهما بنص الأُخرى لا محالة والنتيجة هي التخيير ، وأنّ المكلّف لا بدّ من أن يأتي بأحدهما فاما أن يصلي في الثوب المتنجس وإما أن يصلي عارياً كما ذهب إليه جمع من المحققين.
وربما يورد على الجمع بينهما بذلك بما ذكره شيخنا الأُستاذ قدسسره في مبحث الترتب والواجب التخييري ، من أن الضدين اللذين لا ثالث لهما يستحيل أن يجعل التخيير بينهما (١) لأنه بمعنى طلب أحدهما الراجع إلى طلب الجامع بينهما ، وهذا في موارد المتناقضين والضدين لا ثالث لهما حاصل بطبعه ، إذ المكلف يأتي بأحدهما في نفسه فلا حاجة إلى طلبه لأنه من تحصيل الحاصل المحال ، ولأجل ذلك منع عن الترتب في مثلها ، فان المكلف عند تركه لأحدهما يأتي بالآخر بطبعه فلا مجال للأمر به حينئذ لأنه من تحصيل الحاصل كما عرفت. ويطبّق ذلك على ما نحن فيه بأنّ الصلاة عارياً والصلاة في الثوب المتنجس ضدّان لا ثالث لهما ، حيث إنّ الأخبار في المسألة بعد الفراغ عن وجوب أصل الصلاة وأنه لا بدّ أن يصلِّي لا محالة اختلفت في قيدها ، فدلّت طائفة على أنها مقيّدة بالإتيان بها عارياً ودلّت الأُخرى على أنها مقيّدة بالإتيان بها متستِّراً بالثوب المتنجس ، ومن الظاهر أنّ المصلِّي في مفروض المسألة إما أن يصلِّي عارياً وإما أن يصلي متستراً بالنجس ولا ثالث لهما فالتخيير بينهما أمر غير معقول.
ولكن الصحيح أن التخيير بينهما معقول لا محذور فيه ، وذلك لأن التخيير المدعى ليس هو التخيير بين إتيان الصلاة عارياً أو متستراً ، بل المراد تخيير المكلّف بين أن يصلِّي عارياً مع الإيماء في ركوعه وسجوده قائماً أو قاعداً ، وبين أن يصلِّي في الثوب المتنجس مع الركوع والسجود التامّين الصحيحين ، حيث إنه إذا صلّى عارياً يتعيّن أن
__________________
(١) لاحظ فوائد الأُصول ٢ : ٣٧٢ ، ٣ : ٤٤٤.