على أنّ العلم بالملاك وأنه واحد أو متعدد يحتاج إلى علم الغيب المختص بأهله وليس لنا إلى إحرازه سبيل ، إلاّ أن يستكشف وجوده من الأحكام نفسها ، ومعه كيف يمكن إحراز أنه واحد أو متعدد مع الكلام في تعدد الحكم ووحدته.
أما المتزاحمان فلا مانع من جعل كل منهما على نحو القضية الحقيقية ، فإن الأحكام الشرعية مشروطة بالقدرة عقلاً أو من جهة اقتضاء نفس الخطاب ذلك من غير أن يكون للقضية نظر إلى ثبوت موضوعها وهو القادر وعدمه ، فأي مانع معه من أن يجعل على ذمّة المكلّف وجوب الصلاة في وقت معين إذا قدر عليها ويجعل على ذمته أيضاً وجوب الإزالة أو غيرها على تقدير القدرة عليها ، حيث لا تكاذب بين الجعلين بوجه ولا ينفي أحدهما الآخر أبداً ، بل لا مانع من أن تتكفلهما آيتان صريحتان من الكتاب أو غيره من الأدلة مقطوعة الدلالة والسند ، ولا يقال حينئذ إن الكتاب اشتمل على حكمين متكاذبين.
نعم التنافي بين المتزاحمين إنما هو في مقام الفعلية والامتثال ، لعجز المكلف عن امتثال كلا التكليفين في زمان واحد ، حيث إنّ له قدرة واحدة فأمّا أن يعملها في هذا أو يعملها في ذاك ، فالأخذ بأحد الحكمين في المتزاحمين يقتضي ارتفاع موضوع الحكم الآخر وشرطه ، لأنه إذا صرف قدرته في أحدهما فلا قدرة له لامتثال التكليف الآخر ، وهذا بخلاف الأخذ بأحد المتعارضين لأن الأخذ بأحدهما يقتضي عدم ثبوت الحكم الآخر ، حيث يدل على عدم صدوره لتكاذبهما بحسب مرحلة الجعل والتشريع مع بقاء موضوعه بحاله.
إذا عرفت ما هو الميزان في كل من التعارض والتزاحم فنقول : التزاحم على ما بيّناه في بحث الترتب وغيره إنما يتحقق بين تكليفين استقلاليين لا يتمكن المكلف من الجمع بينهما في الامتثال ، ومقتضى القاعدة حينئذ عدم وجوب امتثالهما معاً ، وأما امتثال أحدهما فحيث إنه متمكن منه فيجب عليه ، إذ لا موجب لسقوط التكليف عن كليهما. نعم ، لا بدّ في تشخيص أن ما يجب امتثاله أيّ من المتزاحمين من مراجعة المرجحات المقرّرة في محلِّها ، بلا فرق في ذلك بين كونهما وجوبيين أو تحريميين أو