والمتحصل أن في تلك المسائل لا سبيل للرجوع إلى مرجحات باب التزاحم. والعجب كلّه عن شيخنا الأُستاذ قدسسره حيث ذهب في تلك المسائل إلى الترجيح بتلك المرجحات ولم يدرجها في كبرى التعارض (١) مع أنه ( قدس الله سره ) هو الذي أوضح الفرق بين الكبريين معترضاً على القول بأن الأصل عند الشك في الدليلين المتنافيين هو التعارض أو التزاحم بأنه يشبه القول بأن الأصل في الأشياء هل هي الطهارة أو البطلان في البيع الفضولي (٢) ، فكما لا ربط ولا جامع بين أصالة الطهارة وبطلان البيع الفضولي كذلك لا جامع بين كبرى التعارض والتزاحم. وله قدسسره حاشيتان في مسألة ما إذا دار أمر المكلف بين مكانين في أحدهما قادر على القيام ولكن لا يتمكن من الركوع والسجود إلاّ مومئاً ، وفي الآخر لا يتمكّن من القيام إلاّ أنه يتمكن منهما جالساً ولم يسع الوقت للجمع بينهما بالتكرار ، قدّم في إحدى الحاشيتين الركوع والسجود جالساً على القيام مومئاً فيهما (٣) ، وعكس الأمر في الحاشية الثانية فقدّم الصلاة مع القيام مومئاً في ركوعها وسجودها على الصلاة مع الركوع والسجود جالساً حيث قال : « الأحوط أن يختار الأول » (٤) وقد نظر في إحداهما إلى الترجيح بالأهمية لوضوح أهمية الركوع والسجود من القيام ، ونظر في الثانية إلى الترجيح بالأسبقية في الزمان والوجود. ولم يكن شيء من ذلك مترقباً منه قدسسره. وتعرض الماتن قدسسره للمسألة في بابي القيام والمكان من بحث الصلاة وذهب في كلا الموردين إلى التخيير بينهما (٥).
وعلى الجملة أن إدراج تلك المسائل تحت كبرى المتزاحمين انحراف عن جادّة الصّواب ، بل الصحيح أنها من كبرى التعارض ولا بد فيها من الترجيح بما مر. وما ذكرناه في المقام باب تنفتح منه الأبواب فاغتنمه.
__________________
(١) كتاب الصلاة ٢ : ٧٠.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٥٠٥.
(٣) العروة الوثقى مع حاشية المحقق النائيني ١ : ٢٧٨ السادس.
(٤) العروة الوثقى مع حاشية المحقق النائيني ١ : ٣٠٩.
(٥) في المسألة [١٤٧٧] ، [١٣٤٥].