قرينة وبياناً للمطلق دون العكس. وإذا كانا متساويين من تلك الجهة فيتساقطان ويتخيّر المكلّف بينهما بمقتضى العلم الإجمالي بوجوب أحدهما ، واندفاع احتمال التعين في أحدهما بالبراءة كما هو الحال في موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير. ولا مساغ حينئذ للترجيح بالأهمية إذ الشك فيما هو المجعول الواقعي سواء أكان هو الأهم أم غيره ، ومن هنا ربما تتعارض الإباحة مع الوجوب مع أنه أهم من الإباحة يقيناً.
ثم إنّا لو أغمضنا عن ذلك وبنينا على أن المدار في التعارض وحدة الملاك والمقتضي وعدم اشتمال كلا المتعارضين عليهما ، أيضاً لا تندرج المسألة في كبرى التزاحم وذلك لأن الصور المحتملة في مقام الثبوت ثلاث لا رابع لها ، إذ الجزءان أو الشرطان اللذان دار الأمر بينهما إما أن لا يكون في شيء منهما الملاك ، وإما أن يكون الملاك لكل منهما بحيث لو أتى بالصلاة فاقدة لشيء منهما بطلت ، وإما أن يكون الملاك لأحدهما دون الآخر.
أما الصورة الأُولى فلازمها الحكم بصحة الصلاة الفاقدة لذينك الجزأين أو الشرطين معاً ، إذ لا ملاك ولا مدخلية لهما في الصلاة وهذا خلاف علمنا الإجمالي بوجوبها مقيّدة بهذا أو بذاك. وأما الصورة الثانية فلازمها سقوط الأمر بالصلاة لمدخلية كل من الجزأين أو الشرطين في صحتها بحيث إذا وقعت فاقدة لأحدهما بطلت ، وبما أن المكلف عاجز عن إتيانهما معاً فيسقط عنه الأمر بالصلاة. وهذا أيضاً على خلاف العلم الإجمالي بوجوبها مقيدة بأحدهما ، ومع بطلان القسمين السابقين تتعين الصورة الثالثة وهي أن يكون المقتضي لأحدهما دون الآخر وهو الميزان في تعارض الدليلين عند صاحب الكفاية (١) قدسسره فعلى مسلكنا ومسلكه لا بد من اندراج المسألة تحت كبرى التعارض. وهذا بخلاف التزاحم بين التكليفين الاستقلاليين ، إذ لا مانع من اشتمال كل منهما على الملاك وبما أن المكلف غير متمكن من امتثالهما فيسقط التكليف عن أحدهما ويبقى الآخر بحاله.
__________________
(١) كفاية الأُصول : ١٥٥.