وثانيهما : إطلاق موثقة عمّار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « سئل عما تشرب منه الحمامة؟ فقال : كل ما أُكل لحمه فتوضأ من سؤره واشرب ، وعن ماء شرب منه باز ، أو صقر ، أو عقاب؟ فقال : كل شيء من الطير يتوضأ مما يشرب منه ، إلاّ أن ترى في منقاره دماً ، فإن رأيت في منقاره دماً فلا توضأ منه ولا تشرب » (١) لأن الدم الواقع في كلامه عليهالسلام مطلق فيستكشف من حكمه بعدم جواز الوضوء من الماء في مفروض السؤال ، نجاسة الدم على إطلاقه.
وقد يقال : الرواية غير واردة لبيان نجاسة الدم حتى يتمسك بإطلاقها ، وإنما هي مسوقة لإعطاء ضابط كلي عند الشك في نجاسة شيء وطهارته وأن نجاسة المنقار ومنجسيته للماء القليل تتوقفان على العلم بوجود النجاسة فيه.
يدفعه : أنها غير واردة لإعطاء الضابطة عند الشك في نجاسة شيء ، لأنّها تقتضي الحكم بطهارة الماء في مفروض السؤال حتى مع العلم بوجود الدم في منقار الطيور سابقاً من دون أن يرى حال ملاقاته للماء ، مع أن الضابط المذكور يقتضي الحكم بنجاسة الماء حينئذ للعلم بنجاسة المنقار سابقاً.
فالصحيح أن يقال : إن الرواية إما وردت لبيان عدم تنجس بدن الحيوان بالنجاسات كما هو أحد الأقوال في المسألة ومن هنا حكم عليهالسلام بطهارة الماء عند عدم رؤية الدم في منقاره ولو مع العلم بوجوده سابقاً لطهارة المنقار على الفرض ، وأما مع مشاهدة الدم في منقاره فنجاسة الماء مستندة إلى عين النجس لا إلى نجاسة المنقار ، وإما أنها مسوقة لبيان طهارة بدن الحيوان بزوال العين عنه وإن كان يتنجس بالملاقاة كما هو المعروف ، وإما أنها واردة لبيان عدم اعتبار استصحاب النجاسة في الحيوانات تخصيصاً في أدلة اعتباره كما ذهب إليه بعض الأعلام.
وكيف كان فدلالة الرواية على نجاسة الدم غير قابلة للإنكار ، ولا نرى مانعاً من التمسك بإطلاقها. وليست الرواية من الكبرى المسلمة في محلها من أن الدليل إذا كان بصدد البيان من جهة ولم يكن بصدده من جهة أُخرى لا يمكن التمسك بإطلاقها إلاّ
__________________
(١) الوسائل ١ : ٢٣٠ / أبواب الأسآر ب ٤ ح ٢ ، وورد قطعة منها في الوسائل ٣ : ٥٢٧ أبواب النجاسات ب ٨٢ ح ٢.