أن من لم يقبل منهم فهو غير موحّد لله سبحانه فلا محالة يحكم بكفره. والأخبار الواردة بهذا المضمون وإن كانت من الكثرة بمكان إلاّ أنه لا دلالة لها على نجاسة المخالفين ، إذ المراد فيها بالكفر ليس هو الكفر في مقابل الإسلام وإنما هو في مقابل الايمان كما أشرنا إليه سابقاً ، أو أنه بمعنى الكفر الباطني وذلك لما ورد في غير واحد من الروايات من أن المناط في الإسلام وحقن الدماء والتوارث وجواز النكاح إنما هو شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسوله ، وهي التي عليها أكثر الناس (١) وعليه فلا يعتبر في الإسلام غير الشهادتين ، فلا مناص معه عن الحكم بإسلام أهل الخلاف وحمل الكفر في الاخبار المتقدِّمة على الكفر الواقعي وإن كانوا محكومين بالإسلام ظاهراً ، أو على الكفر في مقابل الايمان ، إلاّ أن الأوّل أظهر إذ الإسلام بني على الولاية وقد ورد في جملة من الأخبار أن الإسلام بني على خمس وعدّ منها الولاية (٢) ولم يناد أحد بشيء منها كما نودي بالولاية ، كما هو مضمون بعض الروايات (٣) فبانتفاء الولاية ينتفي الإسلام واقعاً ، إلاّ أن منكر الولاية إذا أجرى الشهادتين على لسانه يحكم بإسلامه ظاهراً لأجل الأخبار المتقدِّمة.
هذا كلّه مضافاً إلى السيرة القطعية الجارية على طهارة أهل الخلاف ، حيث إنّ المتشرِّعين في زمان الأئمة عليهمالسلام وكذلك الأئمة بأنفسهم كانوا يشترون منهم اللّحم ويرون حلية ذبائحهم ويباشرونهم ، وبالجملة كانوا يعاملون معهم معاملة
__________________
(١) منها ما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال « قلت له : أخبرني عن الإسلام والإيمان أنهما مختلفان؟ فقال : إنّ الايمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الايمان ، فقلت : فصفهما لي ، فقال : الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله والتصديق برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس » وفي بعضها « إن الإسلام ما ظهر من قولٍ أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفِرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح » الكافي ٢ : ٢٥ / ١ ، ٥ وغيرهما من الأخبار.
(٢) الوسائل ١ : ١٣ / أبواب مقدمة العبادات في أكثر أحاديث ب ١.
(٣) اشتمل على ذلك جملة من الأحاديث وقد أورد روايتين منهما في الوسائل ١ : ١٨ / أبواب مقدمة العبادات ب ١ ح ١٠ ، ١ مقطعاً وهما روايتا أبي حمزة والفضيل.