البأس عن الصلاة في ثوب أصابته خمر وأُلقيا على أهل العرف لتحيروا بينهما لا محالة ولا يرون أحدهما قرينة على التصرف في الآخر بوجه ، فأيضاً لا بد من الحكم بطهارة الخمر لأن الطائفتين متعارضتان ولا مرجّح لإحداهما على الأُخرى ، ومقتضى القاعدة هو التساقط والرجوع إلى قاعدة الطهارة وهي تقتضي الحكم بطهارة الخمر كما مرّ.
ولكن هذا كلّه بمقتضى الصناعة العلمية مع قطع النظر عن صحيحة علي بن مهزيار قال : « قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليهالسلام جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام في الخمر يصيب ثوب الرجل أنهما قالا : لا بأس بأن تصلِّي فيه إنّما حرم شربها. وروى عن ( غير ) زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه ، وإن صليت فيه فأعد صلاتك. فأعلمني ما آخذ به ، فوقّع عليهالسلام بخطّه وقرأته : خذ بقول أبي عبد الله عليهالسلام » (١) وأمّا مع هذه الصحيحة فالأمر بالعكس ولا مناص من الحكم بنجاسة الخمر ، وذلك لأنّ الصحيحة ناظرة إلى الطائفتين ومبينة لما يجب الأخذ به منهما فهي في الحقيقة من أدلّة الترجيح وراجعة إلى باب التعادل والترجيح ، وغاية الأمر أنها مرجحة في خصوص هاتين المتعارضتين فلا مناص عن الأخذ بمضمونها وهي دالّة على لزوم الأخذ بقول أبي عبد الله عليهالسلام وهو الرواية الدالة على نجاسة الخمر وعدم جواز الصلاة فيما أصابه دون رواية الطهارة ، لأنها قول الباقر والصادق عليهماالسلام معاً وغير متمحضة في أن تكون قول الصادق عليهالسلام وحده.
هذا على أن الرواية الدالة على طهارة الخمر أيضاً لو كانت مرادة من قول أبي عبد الله عليهالسلام لكان هذا موجباً لتحير السائل في الجواب ، ولوجب عليه إعادة السؤال ثانياً لتوضيح مراده وأنّ قول الصادق عليهالسلام أيّة رواية ، فإنّ له عليهالسلام حينئذ قولين متعارضين ، وحيث إن السائل لم يقع في الحيرة ولا أنه أعاد سؤاله فيستكشف منه أنه عليهالسلام أراد خصوص الرواية الدالة على نجاسة
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٦٨ / أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٢.