لأنّ البنج أيضاً يخامر العقل إلاّ أنه ليس بخمر ولا أنه نجس. وأما ما ورد في تفسير الآية المباركة فهو مما لا دلالة له على نجاسة الخمر حتى يدل على نجاسة كل مسكر وإنما يدل على أن الخمر رجس يجب الاجتناب عنه ، ولا نخصِّص هذا بالخمر بل نلتزم أنّ كل مسكر رجس.
الرابع : الأخبار الواردة في نجاسة النبيذ المسكر ، وهي جملة من الروايات وقد عطف النبيذ المسكر في بعضها على الخمر (١) فيستكشف من ذلك أن النجاسة تعم الخمر وغيرها من المسكرات ، مضافاً إلى ما ورد من أن للخمر أقساماً وأنها لا تختص بما صنع من عصير العنب كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الخمر من خمسة : العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والبتع من العسل ، والمرز من الشعير ، والنبيذ من التمر » (٢). وعليه فلا فرق في النجاسة بين الخمر وبين غيرها من المسكرات.
والجواب عن ذلك : أنّ الروايات المشتملة على عطف النبيذ المسكر على الخمر إنما دلّت على حرمة النبيذ أو على نجاسته ، إمّا من جهة أنه أمر خارج عن حقيقة الخمر ولكنه أيضاً محكوم بحرمته ونجاسته كما لعلّه الصحيح حيث إنّ مجرّد إلقاء مقدار من التمر في ماء ومضي مقدار من الزمان على ذلك لا يكفي في صيرورة الماء خمراً لأنها تحتاج إلى صنعة خاصة ، فلو كان ذلك كافياً في صنعها لتمكن كل شارب من إيجادها وصنعها في بيته ولم يكن لغلاء ثمنها وجه ، فالنبيذ خارج عن الخمر حقيقة إلاّ أن الدليل دلّ على حرمته ونجاسته. وإما من جهة أنه خمر في الحقيقة وإنما خصّوه بالذكر من بين أفرادها من باب التعرض لبيان الفرد الخفي لخفاء كونه منها ، وعلى أي حال لا دلالة لها على أن كل مسكر نجس.
وأمّا ما دلّ على أن للخمر أقساماً متعددة فهو أيضاً كسابقه مما لا دلالة له على نجاسة كل مسكر ، وإنما يدل على تعدّد مصاديق الخمر وعدم انحصارها بما يصنع من
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٦٨ / أبواب النجاسات ب ٣٨ ذيل الحديث ٢ ، ٣ ، ٨.
(٢) الوسائل ٢٥ : ٢٨٠ / أبواب الأشربة المحرمة ب ١ ح ٣.