العصير العنبي ، وهذا أمر لا ننكره بوجه ونسلّم النجاسة في كل ما صدق عليه عنوان الخمر خارجاً ، كيف ولعل الخمر من العنب لم يكن له وجود في زمان نزول الآية المباركة أصلاً ولا في زمانه صلىاللهعليهوآلهوسلم وإنما كان المتعارف غيرها من أفرادها. وعلى الجملة لا إشكال في نجاسة كل ما صدق عليه أنه خمر خارجاً وإنما كلامنا في نجاسة المسكر الذي لا يصدق عليه أنه خمر ، وقد عرفت أنه لا دلالة في شيء من الأخبار المتقدمة على نجاسته.
الخامس : الأخبار الواردة في أن كل مسكر خمر وكل خمر حرام (١). والجواب عنها أن الأخبار المستدل بها مضافاً إلى ضعف أسنادها قاصرة الدلالة على هذا المدعى لأن الظاهر المستفاد من قران قوله : « كل خمر حرام » لقوله « كل مسكر خمر » أن التشبيه والتنزيل إنما هما بلحاظ الحرمة فحسب لا أن المسكر منزّل منزلة الخمر في جميع آثاره وأحكامه. ولقد أنتج ما تلوناه عليك في المقام أن المادة المعروفة بالألكل والإسپرتو التي يتخذونها من الأخشاب وغيرها لا يمكن الحكم بنجاستها ، حيث لا يصدق عليها عنوان الخمر عرفاً وإن كانت مسكرة كما قيل وأما المتخذة من الخمر المعبّر عنها بـ ( جوهر الخمر ) التي تتحصل بتبخيرها وأخذ عرقها فهي أيضاً كسابقتها غير محكومة بالنجاسة بوجه ، لما قدمناه في محله من أن التبخير يوجب الاستحالة وهي تقتضي الطهارة كما في بخار البول وغيره من الأعيان النجسة (٢) وعليه فإذا أُخذ بخار الخمر ولم يلاقه شيء من الأعيان النجسة فمقتضى القاعدة الحكم بطهارته ، لأنّ الألكل لا يسمّى عندهم خمراً كما أنه ليس بخمر حقيقة لفرض استحالته وإن كان مسكراً على تقدير شربه. هذا كلّه على طبق القاعدة إلاّ أن الإجماع التقديري المتقدِّم في صدر المسألة وانعقاد الشهرة الفتوائية على نجاسة جميع المسكرات أوقفنا عن الحكم بطهارة غير الخمر من المسكرات التي يتعارف شربها وألزمنا
__________________
(١) كما في رواية عطاء بن ياسر عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : كلّ مسكر حرام وكل مسكر خمر ». إلى غير ذلك من الأخبار المروية في الوسائل ٢٥ : ٣٣٦ / أبواب الأشربة المحرمة ب ١٥ ح ٥ وغيرها.
(٢) في المسألة [٣٦٥].