والحرمة قد ثبتت في حق الحائض ، وبعد انقطاع الحيض وارتفاعه ارتفعت الحرمة الثابتة لأجله لا محالة ، والمستحاضة موضوع ثان آخر نشك في حرمة تلك الأفعال في حقها بحيث لو قلنا فيها بالحرمة لكانت حرمة مغايرة لتلك الحرمة الثابتة على الحائض.
وممّا يؤيد ذلك أنّا لم نر ولم نسمع من أحد يحكم بوجوب الكفّارة في وطء المستحاضة ولو مع القول بحرمته في حقها ما لم تغتسل ، مع أن القائل بوجوب الكفّارة في وطء الحائض موجود.
فهذا يدلّنا على أن الحرمة على تقدير القول بها في المستحاضة هي حرمة أُخرى غير الحرمة الثابتة في حق الحائض ، ومع عدم اتحاد القضيتين لا مجرى للاستصحاب.
وثالثاً : لو أغمضنا عن ذلك فمقتضى إطلاق الآية الكريمة والروايات جواز وطء المستحاضة من دون حاجة إلى الاغتسال ، وذلك لقوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ) (١) أو « يطّهرن » بالتشديد ، فإن للغاية مفهوماً ، فتدل على عدم الحرمة بعد انقطاع الدم أو الاغتسال من الحيض. وفي حالة الاستحاضة يجوز وطؤها بمقتضى الآية المباركة.
كما أن مقتضى الأخبار (٢) ذلك ، بل بعضها عام ويدلُّ على أن المستحاضة يأتيها بعلها إذا شاء (٣).
ومن الظاهر أن مع وجود الإطلاق والدليل الاجتهادي لا مجال للتمسّك بالاستصحاب.
ورابعاً : أن الاستصحاب لو جرى فإنما يختص بما إذا حدثت الاستحاضة قبل غسل الحيض أو في أثنائه ، وأمّا إذا حدثت بعد الاغتسال من الحيض فمقتضى الاستصحاب جواز وطئها لا حرمته ، وذلك لأن الأزمنة ثلاثة :
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٢٢.
(٢) الوسائل ٢ : ٣٧١ ، ٣٧٩ / أبواب الاستحاضة ب ١ ، ٣.
(٣) الوسائل ٢ : ٣٧٢ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٤.