على أنّها تدلّ على أن وجوب غسل مسّ الميِّت كان أمراً مفروغاً عنه في تلك الأزمنة ، ومن هنا لم يسأل الراوي عن أصل وجوبه ، وإنّما سأل عن اغتسال علي عليهالسلام عن مسّه بدن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم خاصّة ، لأنّه طاهر مطهر ولا قذارة فيه لتسري إلى علي عليهالسلام ويجب عليه الاغتسال.
أضف إلى ذلك أنّا لو سلمنا دلالتها على استحباب الغسل فهي مختصّة بمثل بدن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذي كان طاهراً مطهراً ، هب أن في مسّ كل بدن طاهر مطهّر كأبدان الأئمة عليهمالسلام يستحب الاغتسال ولا يجب ، وأمّا في من مسّ بدن الميِّت الّذي ليس بطاهر ولا مطهّر فلا يستفاد منها استحباب الغسل فيه أيضاً.
ومنها : التوقيع المروي في الاحتجاج في إمام صلاة حدث عليه حدث وأنّه يؤخّر ويتقدم بعض المأمومين ويتم صلاتهم : أن من مسّه ليس عليه إلاّ غسل اليد (١) ، حيث دلّ على عدم وجوب الغسل من مسّ الميِّت.
ويدفعه أوّلاً : أنّها ضعيفة السند ، لما ذكرناه غير مرّة من أنّ الطريق إلى الاحتجاج لم تثبت وثاقته.
وثانياً : أن وجوب الغسل من المسّ إنّما هو بعد برده لا مع حرارته ، والإمام الميِّت لا يبرد بدنه بعد موته بدقيقة أو نصفها أي حال مسّه ليؤخره ، فإنّ الصلاة يعتبر فيها الموالاة فلا مناص من تأخيره في زمان قليل ، ولا يبرد بدنه حالئذٍ.
ويوضح ما ذكرناه التوقيع الثاني المروي في الاحتجاج ، حيث قال : « وكتب إليه وروى عن العالم أن من مسّ ميتاً بحرارته غسل يده ومن مسّه وقد برد فعليه الغسل وهذا الميِّت في هذه الحال لا يكون إلاّ بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو؟ ولعلّه ينحِّيه بثيابه ولا يمسّه ، فكيف يجب عليه الغسل؟ التوقيع : إذا مسّه على هذه الحال لم يكن عليه إلاّ غسل يده » (٢) حيث إنّها ناظرة إلى الرواية الأُولى وشارحة لها ، وأن
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٢٩٦ / أبواب غسل المسّ ب ٣ ح ٤. الاحتجاج ٢ : ٥٦٤.
(٢) الوسائل ٣ : ٢٩٦ / أبواب غسل المسّ ب ٣ ح ٥. الاحتجاج ٢ : ٥٦٤.