أسرّها ولا أبديها لهم ، وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد عليهالسلام حتّى امتنعت من الطّعام والشّراب فضعفت نفسي ودقّ شخصي ، ومرضت مرضاً شديداً ، فما بقي في مدائن الرّوم طبيب إلّا أحضره جدّي وسأله عن دوائي فلمّا برح به اليأس قال :
يا قرّة عيني وهل يخطر ببالك شهوة فأزوّدكها في هذه الدّنيا ، فقلت : يا جدّي أرى أبواب الفرج عَلَيَّ مغلقة فلو كشفت العذاب عمّن في سبحنك من أساري المسلمين ، وفككت عنهم الأغلال ، وتصدّقت عليهم ومنّيتهم الخلاص رجوت أن يهب (لي) المسيح وأمّه عافية.
فلمّا فعل ذلك تجلّدت في إظهار الصحّة من بدني قليلاً وتناولت يسيراً من الطعام ، فسرّ بذلك وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم ، فأريت [أيضاً] بعد أربع عشرة ليلة كأنّ سيّدة نساء العالمين فاطمة عليهاالسلام قد زارتني ومعها مريم ابنة عمران وألف من وصائف الجنان فتقول لي مريم :
هذه سيّدة نساء العالمين أمّ زوجك أبي محمّد عليهالسلام فأتعلّق بها أبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد عليهالسلام من زيارتي.
فقالت سيّدة النساء عليهاالسلام : إنّ ابني أبا محمّد لا يزورك ، وأنت مشركة باللّه على مذهب النصاري ، وهذه أختي مريم بنت عمران تبرأ إلى اللّه تعالى من دينك ، فإن ملت إلى رضي اللّه ورضي المسيح ومريم عليهماالسلام وزيارة أبي محمّد إيّاك فقولي : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ أبي محمّداً رسول اللّه ، وطيّبت نفسي وقالت : الآن توقّعي زيارة أبي محمّد فإنّي منفذته إليك فانتبهت وأنا أنول وأتوقّع لقاء أبي محمّد عليهالسلام.
فلمّا كان في اللّيلة القابلة رأيت أبا محمّد عليهالسلام وكأنّي أقول له : جفوتني يا حبيبي بعد أن أتلفت نفسي معالجة حبّك فقال ما كان تأخّري عنك إلّا لشركك ، فقد أسلمت وأنا زائرك في كلّ ليلة إلى أن يجمع اللّه تعالى شملنا في العيان؛ فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.
قال بشر : فقلت لها : وكيف وقعت في الأسارى ، فقالت : أخبرني أبو محمّد عليهالسلام