والثاني : كما إذا دلّ دليل على وجوب شيء ودلّ دليل آخر على وجوب شيء آخر أو على حرمته ، من دون تناف ومضادة بينهما أبداً في مقام الجعل والتشريع لامكان ثبوت كليهما معاً في ذلك المقام ، ولكن علمنا من الخارج بكذب أحدهما وعدم مطابقته للواقع من جهة قيام الاجماع أو الضرورة أو نحوها على ذلك ، وهذا العلم الخارجي أوجب التنافي والتعارض بينهما في مقام الاثبات ، وعدم إمكان الجمع بين ثبوت مدلوليهما في مقام الثبوت والواقع.
ومثال هذا ما لو دلّ دليل على وجوب الجمعة في يوم الجمعة تعييناً ودلّ دليل آخر على وجوب الظهر فيها كذلك ، فانّه لا تنافي ولا تضاد بين مدلولي هذين الدليلين أصلاً بالذات والحقيقة ، لامكان وجوب كلتا الصلاتين معاً في يوم الجمعة ، ولا يلزم منه أيّ محذور من التضاد أو التناقض ، ولكن بما أنّا علمنا بعدم وجوب ست صلوات في يوم واحد يقع التعارض بين الدليلين في مقام الاثبات ، فيدل كل واحد منهما بالدلالة الالتزامية على نفي مدلول الآخر.
ومن هذا القبيل التنافي بين ما دلّ على أنّ الواجب على من سافر أربعة فراسخ غير قاصد للرجوع في يومه هو الصلاة تماماً ، وما دلّ على أنّ الواجب عليه الصلاة قصراً ، حيث لاتنافي بين مدلوليهما بالذات والحقيقة ، ولا مانع من الجمع بينهما في نفسه ، والتنافي بينهما إنّما نشأ من العلم الخارجي بكذب أحدهما في الواقع وعدم ثبوته فيه من جهة عدم وجوب ست صلوات في يوم واحد ، ولأجل ذلك يدل كل من الدليلين بالدلالة الالتزامية على نفي مدلول الدليل الآخر.
وقد تحصّل من ذلك : أنّ النقطة الرئيسية التي هي مبدأ انبثاق التعارض بين الدليلين بشتّى أشكاله ـ أي سواء أكان بالذات والحقيقة أو كان بالعرض والمجاز ، وسواء أكان على وجه التباين أو العموم من وجه ـ هي أنّ ثبوت