ومن الواضح جداً أنّ الأمر في هذا النوع من التزاحم بيد المولى ، حيث إنّ عليه أن يلاحظ الجهات الواقعية والملاكات النفس الأمرية الكامنة في الأفعال الاختيارية للعباد ، ويقدّم ما هو الأقوى والأهم من تلك الملاكات على غيره التي لم تكن بهذه المرتبة من القوّة والأهمّية ، ويجعل الحكم على طبق الأهم دون غيره.
ومن الضروري أنّ هذا ليس من وظيفة العبد بشيء ، فانّ وظيفته العبودية وامتثال الأحكام التي جعلت من قبل المولى ووصلت إليه ، والخروج عن عهدة تلك الأحكام وتحصيل الأمن من ناحيتها ، من دون ملاحظته جهات المصالح والمفاسد في متعلقاتها أصلاً ، بل إذا فرضنا أنّ العبد علم بأنّ المولى قد اشتبه عليه الأمر ، كما يتفق ذلك في الموالي العرفية ، فجعل الوجوب مثلاً بزعم أنّ في الفعل مصلحة ، مع أنّه لا مصلحة فيه أو علم أنّ فيه مفسدة ، لم يكن له بمقتضى وظيفة العبودية مخالفة ذلك التكليف المجعول وترك امتثاله معتذراً بأ نّه لامقتضي للوجوب ، أو أنّ فيه مقتضي الحرمة ، فانّ كل ذلك لا يُسمع منه ويستحقّ العقاب على مخالفته ، كما أنّ من وظيفة الرعايا الالتزام بالقوانين المجعولة في الحكومات ، فلو أنّ أحداً خالف قانوناً من تلك القوانين اعتذاراً بأ نّه لا مصلحة في جعله أو أنّ فيه مفسدة ، فلا يُسمع هذا الاعتذار منه ويعاقب على مخالفة ذلك.
فالنتيجة : هي أنّ وظيفة المولى جعل الأحكام على طبق جهات المصالح والمفاسد الواقعيتين ، وترجيح بعض تلك الجهات على بعضها الآخر في مقام المزاحمة ، غاية الأمر أنّه إذا كان المولى مولىً حقيقياً يجعل الحكم على وفق ما هو الأقوى من تلك الجهات في الواقع ونفس الأمر ، وإذا كان عرفياً يجعل الحكم على طبق ما هو الأقوى بنظره ، لعدم إحاطته بجهات الواقع تماماً ، ووظيفة العبد الانقياد والاطاعة وامتثال الأحكام ، سواء أعلم بوجود مصلحة في متعلقاتها