وتحققه ، لا فيما إذا كان الشك في صحته وفساده بعد الفراغ عن أصل وجوده ، فإذن لا يكون مثل هذين المثالين من موارد تلك القاعدة.
وأمّا قاعدة الفراغ ، فلما حققناه في محلّه (١) من أنّ قاعدة الفراغ إنّما تجري فيما إذا لم تكن صورة العمل محفوظة ، كما إذا شكّ في صحة الصلاة مثلاً بعد الفراغ عنها من ناحية الشك في ترك جزء أو شرط منها ، ففي مثل ذلك تجري القاعدة ، لأنّ صورة العمل غير محفوظة ، بمعنى أنّ المكلف لا يعلم أنّه أتى بالصلاة مع القراءة مثلاً أو بدونها أو مع الطمأنينة أو بدونها وهكذا ، وهذا هو مرادنا من أنّ صورة العمل غير محفوظة.
وأمّا إذا كانت محفوظة وكان الشك في مطابقة العمل للواقع وعدم مطابقته له ، كما في مثل هذين المثالين فلا تجري القاعدة ، لفرض أنّ المكلف يعلم أنّه أتى بالصلاة إلى هذه الجهة المعيّنة أو مع الوضوء من هذا المائع ولا يشك في ذلك أصلاً ، والشك إنّما هو في أمر آخر وهو أنّ هذه الجهة التي صلّى إليها قبلة أو ليست بقبلة ، وهذا المائع الذي توضأ به ماء أو ليس بماء ، ومن المعلوم أنّ قاعدة الفراغ لا تثبت أنّ هذه الجهة قبلة وأنّ ما أتى به وقع إلى القبلة ومطابق للواقع ، لما عرفت من اختصاص القاعدة بما إذا لم تكن صورة العمل محفوظة ، وأمّا إذا كانت كذلك وإنّما الشك كان في مصادفته للواقع وعدم مصادفته ، فلا يكون مشمولاً لتلك القاعدة ، وبما أنّ صورة العمل في هذين المثالين محفوظة كما عرفت ، وأنّ ما أتى به المكلف في الخارج معلوم كمّاً وكيفاً ولا يشك فيه أصلاً ، والشك إنّما هو في مصادفته للواقع وعدم مصادفته له ، وقاعدة الفراغ لا تثبت المصادفة ، فعندئذ يقع الكلام في هذين المثالين وما شاكلهما ، وأ نّه هل يجب
__________________
(١) مصباح الاصول ٣ : ٣٧٠ ـ ٣٧١