مطلق الترك ، فانّه عدمه البديل له ونقيضه لا صرف الترك ، ضرورة أنّ الواحد لا يعقل أن يكون نقيضاً للمتعدد ، وهذا ظاهر.
وعلى ضوء هذا البيان نسأل المشهور عن سبب اكتفائهم في طرف الأمر بايجاد فرد واحد من الطبيعة ، بدعوى أنّ المطلوب فيه هو صرف الوجود وهو يتحقق بأوّل وجود ، وعدم اكتفائهم في طرف النهي بأوّل ترك ، مع أنّهم التزموا بأنّ المطلوب فيه هو صرف الترك ، فانّ سبب ذلك ليس هو الوضع لما تقدّم من أنّ مقتضاه في كل من الأمر والنهي على نسبة واحدة ، فلا مقتضي لأجل ذلك أن يفرق بينهما ، فانّ مفادهما عندهم بحسب الوضع ليس إلاّ الدلالة على الطلب ، غاية الأمر أنّ متعلقه في الأمر الوجود وفي النهي الترك ، ولذا قالوا باشتراكهما في المعنى الموضوع له من هذه الجهة. وأمّا العقل فقد عرفت أنّه يحكم بخلاف ذلك ، فانّه كما يحكم بأنّ صرف الوجود يتحقق بأوّل وجود كذلك يحكم بأنّ صرف الترك يتحقق بأوّل ترك ، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً.
نعم ، الذي لا يمكن تحققه بأوّل الترك هو مطلق الترك ، إلاّ أنّك عرفت أنّهم لا يقولون بأنّ المطلوب في النواهي مطلق الترك ، بل يقولون بأنّ المطلوب فيها هو صرف الترك ، وقد مرّ أنّ العقل يحكم بأ نّه لا مقابلة بين مطلق الترك وصرف الوجود ، والمقابلة إنّما هي بينه وبين مطلق الوجود لا صرفه ، فانّ المقابل له ـ صرف الوجود ـ صرف الترك ، فإذن لا يرجع ما هو المشهور إلى معنىً محصّل أصلاً.
ولعل منشأ تخيّلهم ذلك الغفلة عن تحليل نقطة واحدة ، وهي الفرق بين صرف الترك ومطلق الترك ، ولكن بعد تحليل تلك النقطة على ضوء ما بيّناه قد ظهر بوضوح خطأ نظريتهم ، وأ نّه لا مبرّر لها أبداً.