ولا نعقل المبادئ الأحكامية في مقابل المبادئ التصورية والتصديقية ، بداهة أنّه إن اريد من المبادئ الأحكامية تصور نفس الأحكام كالوجوب والحرمة ونحوهما ، فهو من المبادئ التصورية ، إذ لا نعني بها إلاّتصور الموضوع والمحمول كما مرّ. وإن اريد منها ما يوجب التصديق بثبوت حكم أو نفيه ـ ومنه الحكم بسراية النهي إلى متعلق الأمر في محل الكلام ـ فهي من المبادئ التصديقية لعلم الفقه ، كما هو الحال في سائر المسائل الاصولية.
الرابع : أنّها من المبادئ التصديقية لعلم الاصول ، وليست من مسائله. وقد اختار هذا القول شيخنا الاستاذ قدسسره (١) وأفاد في وجه ذلك ما حاصله :هو أنّ هذه المسألة على كلا القولين لا تقع في طريق استنباط الحكم الكلّي الشرعي بلا واسطة ضم كبرى اصولية ، وقد تقدّم أنّ الضابط لكون المسألة اصولية هو وقوعها في طريق الاستنباط بلا واسطة ، والمفروض أنّ هذه المسألة ليست كذلك ، فانّ فساد العبادة لا يترتب على القول بالامتناع فحسب ، بل لا بدّ من ضم كبرى اصولية إليه وهي قواعد كبرى مسألة التعارض ، فانّ هذه المسألة على هذا القول تدخل في كبرى تلك المسألة ، وتكون من إحدى صغرياتها. وعليه ففساد العبادة إنّما يترتب بعد إعمال قواعد التعارض وتطبيقها في المسألة لا مطلقاً ، وهذا شأن كون المسألة من المبادئ التصديقية دون المسائل الاصولية ، كما أنّها على القول بالجواز تدخل في كبرى مسألة التزاحم.
ويرد عليه : ما ذكرناه غير مرّة من أنّه يكفي في كون المسألة اصولية وقوعها في طريق الاستنباط ، وتعيين الوظيفة بأحد طرفيها وإن كانت لا تقع بطرفها الآخر ، ضرورة أنّه لو لم يكن ذلك كافياً في اتّصاف المسألة بكونها
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ١٢٨