وأضف إلى ذلك : ما ذكرناه هناك من أنّ مسألة التزاحم أيضاً لا تبتني على وجهة نظر مذهب دون آخر ، بل تعمّ جميع المذاهب والآراء ، حتّى مذهب الأشعري المنكر لتبعية الأحكام للملاكات مطلقاً ، ضرورة أنّ مسألة التزاحم كمسألة التعارض ، فانّها ترتكز على ركيزة واحدة ، وتدور مدار تلك الركيزة وجوداً وعدماً ، وهي عدم تمكن المكلف من الجمع بين المتزاحمين في مقام الامتثال ، ومن المعلوم أنّ مسألة التبعية أجنبية عن تلك الركيزة بالكلّية ، فإذن ما أفاده قدسسره من الضابط لمسألة التزاحم ـ وهو كون المجمع مشتملاً على مناط كلا الحكمين ـ لا يرجع إلى أصل صحيح.
وأمّا النقطة الثالثة فيمكن المناقشة فيها بوجوه :
الأوّل : أنّ موارد التوفيق العرفي غير موارد التعارض ، فإذا فرض التعارض بين الدليلين فمعناه أنّه لا يمكن الجمع العرفي بينهما ، وفيما إذا أمكن ذلك فلا تعارض ، ففرض التعارض مع فرض إمكان الجمع العرفي لا يجتمعان ، كما هو واضح.
الثاني : أنّ التوفيق العرفي بين الدليلين إنّما يكون بملاحظة مرجحات باب الدلالة ، كأن يكون أحدهما أظهر من الآخر أو نحو ذلك ، لا بملاحظة مرجحات باب المزاحمة ، لوضوح الفرق بين البابين ، وأنّ أحدهما أجنبي عن الآخر بالكلّية ، ضرورة أنّ مرجحات باب المزاحمة توجب انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه ، وهو القدرة ، ولا توجب التصرف بالحمل على الاقتضاء أو نحوه كما هو ظاهر.
الثالث : أنّ هذا الحمل ـ أي حمل الأمر والنهي على بيان المقتضي في متعلقه ـ خارج عن الفهم العرفي ، ولا يساعد عليه العرف أبداً.
الرابع : أنّ هذا الحمل لا يجدي في دفع المحذور اللاّزم من اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد ، وذلك لأنّ اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد في