واحد منهما في هذا المقام يوجب عجزه عن الآخر ، فيكون الحكم الآخر منتفياً بانتفاء موضوعه ـ وهو القدرة ـ من دون تصرف في دليله أصلاً.
والوجه في ذلك : ما ذكرناه غير مرّة من أنّ الخطابات الشرعية تستحيل أن تتعرّض لحال موضوعاتها نفياً وإثباتاً ، وإنّما هي متعرضة لبيان الأحكام على تقدير ثبوت موضوعاتها في الخارج ، ومن هنا قلنا إنّ الخطابات الشرعية من قبيل القضايا الحقيقية ، ومفادها مفاد تلك القضايا.
مثلاً : الأدلة الدالة على ثبوت الأحكام للحائض أو النفساء أو المستطيع أو ما شاكل ذلك لا يتكفل شيء منها لبيان حالها وجوداً أو عدماً ، وإنّما هي متكفلة لبيان الأحكام لها على تقدير تحققها في الخارج ، ولذا ذكرنا أنّ كل دليل إذا كان ناظراً إلى موضوع دليل آخر نفياً أو إثباتاً حقيقةً أو حكماً ، لا يكون أيّ تنافٍ بينه وبين ذلك الدليل ، وذلك كما في موارد الورود والحكومة ، ضرورة أنّ مفاده ثبوت الحكم على تقدير تحقق موضوعه خارجاً.
ومن الواضح أنّ نفي الحكم بانتفاء موضوعه لا يكون من رفع اليد عن دليله الدال عليه ، فانّه إنّما يكون في مورد التعارض حيث إنّ فيه نفي الحكم عن الموضوع الثابت ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى (١) ومقامنا من قبيل الأوّل ، فانّ التكليف حيث إنّه مشروط بالقدرة يستحيل أن يكون ناظراً إلى حالها وجوداً أو عدماً ، بل هو ناظر إلى حال متعلقه ومقتضٍ لوجوده إن كان التكليف وجوبياً والبعد عنه إن كان تحريمياً.
وعليه فكون المكلف قادراً في الخارج أو غير قادر أجنبي عن مفاد الدليل الدال عليه ، فلا يكون انتفاؤه بانتفاء القدرة من رفع اليد عن دليله ومنافياً له ،
__________________
(١) في ص ١٦