والوجه في ذلك هو أنّ النذر وإن فرض تقدّمه على حصول الاستطاعة زماناً ، إلاّ أنّ العبرة إنّما هي بتقدّم زمان أحد الواجبين على زمان الآخر كتقدّم زمان صلاة الفجر على زمان صلاتي الظهرين مثلاً وهكذا ، ولا عبرة بتقدّم زمان أحد الوجوبين على زمان الآخر.
وعلى الجملة : أنّا لو تنزّلنا عمّا ذكرناه وسلّمنا أنّ وجوب الحج مشروط بالقدرة شرعاً بناءً على تفسير الاستطاعة بالتمكن من أداء فريضة الحج عقلاً وشرعاً كما هو المشهور ، فمع ذلك ليست المزاحمة بينه وبين وجوب الوفاء بالنذر وأشباهه داخلة في الكبرى المتقدمة ، لما عرفت من عدم تقدّم زمان الوفاء بالنذر على زمان الحج وإن فرض تقدّم سبب وجوبه على سبب وجوب الآخر ، فانّه لا عبرة به ، والعبرة إنّما هي بتقدّم أحد الواجبين على الآخر زماناً ، والمفروض أنّهما في عرض واحد فلا تقدّم لأحدهما على الآخر أصلاً.
وعليه فلا يبقى مجال لتوهّم تقدّم وجوب الوفاء بالنذر على وجوب الحج بملاك تقدّم الواجب السابق على الواجب اللاّحق. فما أفاده شيخنا الاستاذ قدسسره من أنّ المقام داخل في الكبرى المزبورة فيما إذا فرض تقدّم النذر بحسب الزمان على أشهر الحج لا يرجع إلى أصل صحيح ، لما عرفت من أنّه غير داخل في تلك الكبرى حتّى على هذا الفرض والتقدير ، من جهة أنّ العبرة إنّما هي بتقدّم زمان أحد الواجبين على زمان الآخر ، ولا عبرة بتقدّم سبب أحدهما على سبب الآخر أصلاً ، كما مرّ.
ولا يفرق في ذلك بين القول باستحالة الواجب المعلق كما هو مختار شيخنا الاستاذ قدسسره (١) والقول بامكانه وصحّته ، كما هو المختار عندنا (٢) ، فانّه
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٢٠١
(٢) راجع المجلد الثاني من هذا الكتاب ص ١٧٣ وما بعدها